واحتجّ الآخرون بأنّ الإنكار قد وقع من بعضهم على بعض في العمل بالرأي والاجتهاد في المسائل الفقهية ، كما تقدّم في القياس.
ولأنّ الحكم واحد معين على ما يأتي ، فلا بدّ له من دليل يتمكّن كلّ مكلّف بالحكم من الوصول إليه ، وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق ؛ وكلّ مكلّف بالحكم مكلّف بإقامة الدليل المنصوب عليه ، وإلّا كان الحكم تشهيا ، وهو محال. فالمخطئ إمّا أن يكون لتقصيره في الاجتهاد فيكون مأثوما بترك ما كلف به ، أو لعدم تمكّنه من الوصول إلى الحكم ، وهو محال لاستلزامه التكليف بما لا يطاق.
البحث الثالث : في أنّ المجتهد في الفروع مطلقا هل هو مصيب أم لا؟
اختلف الناس في أنّ كلّ مجتهد في الأحكام الشرعية هل هو مصيب أم لا؟
وتقريره أن يقال : المسألة الاجتهادية إمّا أن يكون لله تعالى فيها قبل الاجتهاد حكم معين ، أو لا.
والثاني : قول من حكم بإصابة كلّ مجتهد. وهو قول أبي الحسن الأشعري والقاضي أبي بكر من الأشاعرة ، ومن المعتزلة قول أبي الهذيل العلّاف وأبي علي وأبي هاشم وأتباعهم. (١)
__________________
(١) راجع المحصول : ٢ / ٥٠٣.