وأمّا الدوران في الصورتين فهو كقول الحنفي في مسألة الحلي : «كونه ذهبا موجب للزكاة ، لأنّ التبر لمّا كان ذهبا وجب الزكاة فيه ، والثياب لمّا لم تكن ذهبا لم تجب الزكاة فيها». وهنا لا يمكن القدح في علّيّة الصفات الباقية بمثل ما ذكرناه في الصورة الأولى. فيثبت أنّ احتمال المعارض في الصورة الأولى أقلّ ، فكان الظنّ فيها أقوى.
وأمّا الشبه فقد يكون شبها في الحكم الشرعي ، وقد يكون شبها في الصفة واختلفوا في الراجح. والظاهر أنّ الشبه في الصفة أولى ، لأنّها بالعلل العقلية أشبه.
البحث الرابع : في التراجيح العائدة إلى دليل الحكم
في الأصل دليل الحكم الشرعي يكون شرعيا ، فإمّا أن يكون في القياسين المتعارضين قطعيا ، أو ظنيا ، أو بالتفريق. فإن كان قطعيا استحال الترجيح في ذلك ، لما تقدّم. وإن كان ظنّيا فإمّا أن يكون الدليل الدالّ عليه لفظيا ، أو إجماعا ، أو قياسا.
فإن كان إجماعا فقد ذهبوا إلى أنّ القياس الّذي ثبت الحكم في أصله بالإجماع أقوى من الّذي ثبت الحكم في أصله بالدلائل اللفظية ، لقبولها التخصيص والتأويل بخلاف الإجماع ، ويشكل بأنّا أثبتنا الإجماع بالدلائل القطعية ، فالفرع لا يكون أقوى حالا من الأصل.
وفيه نظر ، فإنّ الإجماع قد ثبت كونه حجّة ، وقد دلّت الأدلّة عليه فلا يقبل المعارضة.