الثالث : الترجيح إنّما يكون بين متعارضين وهو غير متصوّر في القطعي ، لأنّ المعارض له لا يجوز أن يكون قطعيا ، وإلّا لكان العمل بهما جمعا بين النقيضين ، وتركهما رفعا للنقيضين ، والعمل بأحدهما دون الآخر ترجيحا من غير مرجّح. ولا أن يكون ظنيا لامتناع ترجيح الظني على القطعي ، وامتناع طلب الترجيح في القاطع ، كيف والدليل القاطع لا يكون في مقابلته دليل صحيح ، فإذن محلّ الترجيح الطرق الظنية.
تذنيب
المشهور أنّ العقليات لا يجري فيها الترجيح. وفيه تفصيل فإنّ العوام إن اقتنع منهم بالاعتقاد الجازم الحاصل عن تقليد أمكن تطرق التقوية إليه ، فجرى فيه الترجيح.
البحث الرابع : في الترجيح بكثرة الأدلّة
اعلم أنّ الترجيح في الأدلّة يحصل بالكثرة ، فإذا كان أحد الحكمين مدلولا عليه بعدّة أدلّة كان أولى من الحكم الّذي يستدلّ عليه بأدلّة أقل. وبه قال الشافعي ، خلافا لبعضهم حيث قال : لا يحصل بكثرة الأدلة ترجيح ومن صور النزاع ترجيح أحد الخبرين بكثرة الرّواة.
لنا وجهان (١) :
__________________
(١) ذكرهما الرازي في المحصول : ٢ / ٤٤٦ ـ ٤٤٧.