تذنيب : في عدول المقلّد في غير ما قلّد فيه
إذا تبع العامّيّ بعض المجتهدين في حكم حادثة وعمل بقوله فيها ، لم يجز له الرجوع عنه في ذلك الحكم بعد ذلك إلى غيره ، إجماعا.
والوجه عندي جواز العدول إلى غيره في مساواته لا فيه نفسه.
وهل له اتّباع غير ذلك المجتهد في حكم آخر؟
اختلفوا (١) : فمنهم من جوزه وهو الوجه عندي ، إذ العلماء لم يوجبوا في كلّ عصر رجوع من استفتاهم في حكم إليهم في جميع الأحكام ، بل سوّغ الصحابة وغيرهم استفتاء العامّي لكلّ عالم في مسألة ، ولم يحجروا على العامّة في ذلك ، ولو كان ذلك واجبا لمّا سوغوا السكوت عنه ؛ ولأنّ كلّ مسألة لها حكم مختصّ بها ، فكما لم يتعيّن في المسألة الأولى الاتّباع لشخص معين ، بل كان مخيّرا في اتّباع من شاء ، فكذا باقي المسائل لعدم الربط بينها ، وبعضهم منع من ذلك. وليس بجيد.
أمّا لو عيّن العامّي لنفسه مذهبا معينا ، كمذهب الشافعي أو أبي حنيفة أو غيره وقال : أنا على مذهبه وملتزم به ، فهل له الرجوع إلى الأخذ بقول غيره في مسألة من المسائل؟
اختلفوا (٢) : فجوّزه قوم ، لأنّ التزامه بمذهب معيّن غير ملزم له.
__________________
(١) راجع الإحكام : ٤ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣.
(٢) راجع الإحكام : ٤ / ٢٤٣.