وثانيا : إذا سلّمنا أنّه أمر بالكسر ، فليس هناك مانع من أن يكون للكراهة الشديدة مراحل فالأولى هو كسر القدور وطرحها جانبا ، والثانية إهراقها وغسلها ، فبدأ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بما هو الأولى ، ولمّا كان شاقا على الناس ، أمضى الحكم الثاني ، وهو إخلاؤها وإكفاؤها.
ولعمري ليس في تلك الأمور أي دلالة على أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يجتهد كاجتهاد الآخرين ، والعجب من ابن قيّم الجوزية انّه عقد فصلا بيّن فيه فتاوى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال :
ولنختم الكتاب بذكر فصول يسير قدرها ، عظيم أمرها من فتاوى إمام المفتين ورسول ربّ العالمين تكون روحا لهذا الكتاب ، ورقما على جلة هذا التأليف. (١)
فذكر أحاديثه وكلماته في العقائد والأحكام باسم الفتوى ، فيتبادر إلى الذهن أنّه كان يفتي كالآخرين مع أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يرشد الناس لحكم الله سبحانه بطرق مختلفة ، فالإفتاء في كلامه صلىاللهعليهوآلهوسلم كالإفتاء في قوله سبحانه : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ). (٢)
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأمور الدنيوية
لا شكّ انّ هناك أمورا دنيوية كالزراعة والطب والحرب وفنونها
__________________
(١) إعلام الموقعين : ٤ / ٢٦٦ ـ ٤١٤.
(٢) النساء : ١٧٦.