البحث الأوّل : في التراجيح الحاصلة بسبب الراوي
اعلم أنّ الترجيح لأحد الخبرين على الآخر بالنظر إلى الراوي إمّا أن يقع بكثرة الرواة ، أو بأحوالهم. أمّا الواقع بالكثرة فمن وجهين (١) :
الأوّل : أن يكون رواة أحدهما أكثر من رواة الآخر فيكون أرجح ، خلافا للكرخي ، لأنّ الظن الحاصل به أكثر من الآخر ، لأنّ احتمال وقوع الغلط والكذب على العدد الأكثر أقل من احتمال وقوعه في العدد الأقل ، إذ خبر كلّ واحد يفيد الظن والظنون المجتمعة أقوى من الواحد ، ولهذا لمّا كان الحد الواجب بالزنا من أكبر الحدود وآكدها جعلت الشهادة عليه أكثر عددا من غيره ، ولم يعمل أبو بكر بخبر المغيرة : «أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أطعم الجدّ السدس» ، حتى اعتضد بخبر محمد بن مسلمة.
الثاني : أن يكون أحد الخبرين أعلى إسنادا فإنّه أرجح من الآخر ، وإنّه كلّما كانت الرواة أقل كان احتمال الغلط والكذب أقل ، ومهما كان ذلك أقل كان احتمال الصحّة أظهر ، وحينئذ يجب العمل به ؛ فعلو الإسناد راجح من هذا الوجه ، إلّا أنّه مرجوح باعتبار ندوره.
وفيه نظر ، فإنّ احتمال الغلط والخطاء في العدد الأقل إنّما يكون أقل لو اتّحدت أشخاص الرواة في الخبرين أو تساووا في الصفات ، أمّا إذا تعدّدت أو كانت صفات الأكثر أكثر فلا.
__________________
(١) ذكرهما الرازي في المحصول : ٢ / ٤٥٣.