وآخذهم بالحجج ...». (١) فهل كانت مصر آنذاك تطفح بفقهاء ومجتهدين عارفين بجميع الأحكام الشرعية؟ نعم كانوا يحفظون من الكتاب والسنة وعمل الخلفاء أشياء يقضون ويحكمون بها ، فلو كان الاجتهاد المطلق شرطا ، لعطّل باب القضاء في مصر.
نعم كلّما تقدّمت الحضارة الإسلامية وتفتّحت العقول ، وازداد العلماء علما وفهما ، وعددا وكميّة ، تسنّم منصب القضاء من له خبرة كاملة في الفقه وعلم بحدود الشريعة علما محيطا ، إلّا أنّ ذلك ليس بوازع دينيّ ، بل كان نتيجة لسير العلم وتقدّمه وازدهار الثقافة.
نعم أخذ القضاء في عصرنا لونا فنيا ، وصار عملا يحتاج إلى التدريب والتمرين.
فلا مناص من إشراف قاض ذي تجربة وممارسة ، على عمل القضاة المتجزّءين في الاجتهاد حتى تحصل لهم قدم راسخة لا تزلّ بفضله سبحانه.
في تصدّي المقلّد للقضاء
يتصوّر تصدّي المقلّد لأمر القضاء على أنحاء ثلاثة :
الأوّل : أن يستقلّ في القضاء بلا نصب من جانب من له أهليّة الفتوى ولا وكالة منه ، بل يقضي على طبق رأي مقلّده.
الثاني : أن ينصّب من جانبه لهذا الأمر الخطير.
__________________
(١) نهج البلاغة : ٢ / ٩٤ رقم ٥٢ قسم الكتب والرسائل ، شرح الشيخ محمد عبده.