روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا» ـ تتضمّن وراء المعنى الإيجابيّ معنى سلبيّا وهو نفي الرجوع إلى الغير ، والواجب هو الرّجوع إلى من عرف حلالهم وحرامهم نظر فيهما ، وهو صادق في حقّ الطبقة العالية من المتجزّءين إذا استنبطوا شيئا معتدا به كما تقدّم.
ويؤيد ذلك أمران :
الأوّل : إنّ القضاة الّذين كانت الشيعة تفزع إليهم في تلك الأيّام ، لم يكونوا إلّا في هذه الدرجة من العلم والعرفان ، ولم تكن لهم معرفة فعليّة بجميع الأحكام ، لتفرّق الروايات وتشتّتها بين الرواة ، وعدم وجود جامع بين الحكّام حتّى يكونوا متدرّعين بالعلم بجميع الأحكام.
الثاني : كان الأمر في عصر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والوصي عليهالسلام أيضا كذلك ، فقد بعث النبي معاذا إلى اليمن وقال له : «كيف تقتضي إذا عرض لك القضاء؟ قال : أقضي بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال : بسنّة رسول الله ...» (١). أتظنّ أنّ معاذا كان عارفا بجميع الأحكام الشرعية يوم ذاك.
وقد كتب الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام إلى واليه مالك الأشتر رضى الله عنه في عهده : «ثمّ اختر للحكم بين النّاس أفضل رعيّتك في نفسك ممّن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه (٢) الخصوم ـ إلى أن قال عليهالسلام : ـ وأوقفهم في الشبهات
__________________
(١) جامع الأصول من أحاديث الرّسول لابن الأثير : ١٠ / ٥٥١ رقم ٧٦٥١ ، الفصل السادس : في كيفية الحكم.
(٢) أمحكه : جعله محكان أي : عسر الخلق ، لجوج.