البحث الثامن : في الترجيح بين المنقول والمعقول
المنقول إن كان خاصّا دالّا بمنطوقه ، فهو أولى بالنسبة إلى الرأي ، لكونه أصلا له ، وقلّة تطرق الخلل إليه. وإن دلّ بمفهومه ، فمنه ما هو ضعيف جدّا ، ومنه ما هو قوي جدّا ، وبين المرتبتين مراتب كثيرة. وحينئذ يحصل الترجيح بحسب ما يقع للمجتهد في نظره من قوة الدلالة وضعفها ، وذلك غير منضبط ، إذ لا حاصر له يمكن الإشارة إليه.
وإن كان عامّا فقيل : إنّه يقدّم على القياس ، وقيل : بالتوقّف ، وقيل : بتقديم القياس ، وقيل : بتقديم الجليّ دون الخفيّ ، وقيل : بتقديم القياس فيما دخله التخصيص دون ما لم يدخله. وقد تقدّم البحث في ذلك. (١)
واعلم أنّ الترجيح كما يعرض في التصديقات كذا يعرض في الحدود المفيدة للتصوّرات. فإن كان الحد سمعيا فالمشتمل على ألفاظ صريحة (ناصة دالّة على المعنى) (٢) من غير تجوّز ولا استعارة أولى من مقابله.
وكذا الحال [لا] عن اشتراك وغرابة واضطراب أولى من مقابله ، وما يكون المعرف في أحدهما أعرف من المعرف في الآخر أولى ، لأنّه أفضى إلى التعريف.
والتعريف بالأمور الذاتية والآخر بالأمور العرضية ، فالمعرف بالأمور
__________________
(١) راجع الإحكام : ٤ / ٢٩٣.
(٢) في الإحكام : ٤ / ٢٩٥ ؛ ناجمة على الغرض المطلوب.