الحاصل بقول الواحد ؛ فإنّ أبا بكر لم يعمل بخبر المغيرة في مسألة الجد حتى شهد له محمد بن مسلمة ، وعمر لم يقبل خبر أبي موسى حتّى شهد له أبو سعيد الخدري ، فلو لا أنّ كثرة الرواة يؤثر [في] قوة الظن لما كان كذلك. فثبت بذلك أنّ الظن أقوى فيجب العمل به للإجماع على جواز الترجيح بقوة الدليل ، وإنّما يكون لزيادة القوة في أحد الجانبين ، وهذا حاصل في الترجيح بكثرة الأدلّة ، إلّا أنّ ترجيح القوة يستلزم حصول الزيادة مع المزيد عليه في محل واحد ، وترجيح الكثرة يختلف محل الزيادة والمزيد عليه فيه ، ولا أثر لذلك بالضرورة.
الثاني : مخالفة الدليل على خلاف الأصل ، فإذا تعدّدت الأدلّة في طرف واتّحدت في آخر كانت المخالفة في الأوّل أشد محذورا منها في الثاني ، فاشترك المحذوران في قدر واختصّ أحدهما بزيادة منفية عن الآخر ، فلولا الترجيح لزم ارتكاب القدر الزائد من المحذور لا لموجب ، وهو محال.
احتجّوا بوجوه (١) :
الأوّل : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «نحن نحكم بالظاهر» (٢) يدلّ بإيمائه على أنّ المعتبر أصل الظهور ، وأنّ الزائد عليه ملغى ترك العمل به في الترجيح بقوة الدليل ، لاتّحاد محلّ الزيادة مع المزيد عليه والقوى تتزايد عند اجتماعها في محل وتتناقص حال التفرد ، أمّا كثرة الأدلّة فإنّ المحلّ في الزيادة والمزيد
__________________
(١) ذكرها الرازي في المحصول : ٢ / ٤٤٧.
(٢) مرّ مصدره. راجع ص ١٨٨ و ٢٠٨ من هذا الجزء.