أمّا من بنى العام المتأخّر على الخاص المتقدّم وأخرج بالخاص المتأخّر بعض ما دخل تحت العام المتقدّم ، فالأنسب بمذهبه عدم النسخ في شيء من هذه الأقسام ، بل يرجع إلى الترجيح ، إذ لا يتخلّص كون المتأخّر أخصّ من المتقدّم حتى يخرج من المتقدّم ما دخل تحت المتأخّر.
وإن جهل التاريخ فإن كانا معلومين لم يجز الترجيح بقوة الإسناد ، بل بما يتضمّنه أحدهما من كونه محظورا ، أو مثبتا بحكم شرعي ، لأنّ الحكم بذلك طريقة الاجتهاد ، وليس في ترجيح أحدهما على الآخر إطراح للمرجوح ؛ بخلاف ما لو تعارضا من كلّ وجه ، وإن لم يترجّح أحدهما على الآخر فالحكم التخيير.
وإن كانا مظنونين جاز الترجيح بقوة الإسناد ، وبما يتضمّنه من الحكم. فإن لم يترجّح فالتخيير ، وإن كان أحدهما معلوما والآخر مظنونا ، جاز ترجيح المعلوم لكونه معلوما. فإن ترجّح المظنون عليه بما يتضمّنه من الحكم ، كالمحرم والشرعي حتى حصل التعارض ، فالحكم ما تقدّم.
الرابع : أن يكون أحدهما عاما والآخر خاصا ، فإن اتّفقا علما أو ظنّا وتأخّر الخاص كان ناسخا للعام المتقدّم في مورد الخاص. وإن تأخّر العام كان ناسخا للخاص المتقدّم عند أبي حنيفة. والحق عندنا وعند الشافعي بناء العام على الخاص وقد تقدّم. وإن وردا معا كان الخاص مخصّصا للعام بالإجماع. وإن جهل التاريخ بني العام على الخاص ، وعند الحنفية الوقف (١).
__________________
(١) راجع المحصول : ٢ / ٤٥٣.