بالموت.» ـ انتهى كلامه ـ. (١)
وأقول : إنّ تحقيق المقام يستدعي تمهيد مقدّمة هي : أنّه قد تقرّر في موضعه أنّ الإمكان نسبة بين الماهيّة من حيث هي هي وبين الوجود والعدم ، وأنّ عروضه إنّما هو عند عدم اعتبار الوجود والعدم بالنظر إلى الماهيّة وعلّتها ، وأنّه عند اعتبارهما أي الوجود والعدم بالنظر إلى الماهيّة وعلّتها يثبت ما بالغير أي الوجوب والامتناع بالغير.
والحاصل أنّ الإمكان إنّما يعرض للماهيّة من حيث هي لا مأخوذة مع وجودها ولا مأخوذة مع عدمها ، وكذا غير مأخوذة مع وجود علّتها وعدمها ، فإنّ الإمكان نسبة بين الماهيّة من حيث هي هي وبين الوجود والعدم ، أمّا إذا اخذت الماهيّة مع الوجود ، فإنّ نسبتها حينئذ تكون إلى الوجود بالوجوب لا بالإمكان ، ويسمّى ذلك وجوبا لاحقا ، وإذا اخذت مع العدم يكون نسبتها إلى الوجود بالامتناع ، لا بالامكان ، ويسمّى ذلك امتناعا لاحقا ، وكلاها يسمّيان ضرورة بشرط المحمول ، وإذا اخذت الماهيّة مع وجود علّتها كانت واجبة ما دامت العلّة موجودة ، ويسمّى ذلك وجوبا سابقا ، وإذا اخذت مع عدم علّتها كانت ممتنعة ، ما دامت العلّة معدومة ، ويسمّى ذلك امتناعا سابقا ، فكلّ موجود محفوف بوجوبين سابق ولاحق ، وكلاهما وجوب بالغير وكلّ معدوم محفوف بامتناعين سابق ولاحق وكلاهما امتناع بالغير ، ولا منافاة بين الإمكان الذاتي والوجوب والامتناع بالغير.
إذا تمهّد هذا فنقول : إنّ العالم لمّا كان بجميع أجزائه ممكنا ، والممكن ما كان وجوده وعدمه بالنظر إلى ذاته متساويين من غير أن يكون ذاته بذاته مقتضيا لأحدهما لا على سبيل التساوي من غير مرجّح أصلا وهو ظاهر ، ولا على سبيل الأولويّة الذاتيّة ، على ما تقرّر في موضعه بطلانها ، وإنّما المقتضي لأحدهما له هو السبب الخارج عند العلّة له ، المرجّح لأحدهما ، فذاته بذاته مع قطع النظر عن كلّ ما سواه ـ حيث كان كلّ من الموجود والعدم بالنظر إليه من حيث هو متساويين ـ ، كما لا يأبى عن فيضان الوجود عليه بعلّته الموجدة له ـ سواء كان وجوده وجودا مستمرّا أبديّا أو غير أبديّ ـ كذلك لا يأبى عن طريان العدم عليه بزوال علّته أو جزء علّته أو شرط وجوده أو نحو ذلك ، فإنّه بعد وجوده بعلّته لو امتنع عدمه لذاته واقتضى ذاته بذاته أبديّته ، لصار واجب الوجود بالذات مع
__________________
(١) شرح القوشجي : ٤٩٣ ـ ٤٩٤.