الثلاثة ، إمّا المقصود بيان إمكان هذا الوجوب بالغير وإن لم يكن متحقّقا بالفعل ، أو بيان وقوعه بالفعل ، وعلى التقدير الأخير ، إمّا المقصود أنّ هذا الواقع هل يمكن أن يرتفع ، أو يمتنع زواله ، والحاصل أنّ العالم بجميع أجزائه أي كلّ جزء من أجزائه بحيث لا يشذّ عنها جزء لمّا كان ممكنا متساويا وجوده وعدمه بالنظر إلى ذاته ، ويترجّح وجوده أو عدمه بعلّته الخارجة عن ذاته ، وكان يمكن أن يفرض تحقّق علّته التامّة المستجمعة لجميع شرائط وجوده مع ارتفاع جميع موانعه ، بحيث تكون مستلزمة لوجوده ، ولا يتخلّف هو عنها ، فكما يمكن أن يتحقّق أصل ذلك الوجوب بالغير بالنسبة إلى كلّ واحد من أجزاء العالم ، وكذا بالنسبة إلى المجموع من حيث هو مجموع ، كذلك يمكن أن يتحقّق أبديّة ذلك الوجوب الغيري بالنسبة إليهما إذا فرضت العلّة التامّة المستلزمة لذلك المعلول ، ـ أي المجموع أو كلّ جزء ـ أبديّة دائمة ، إذ لا مانع من ذلك لا من جهة ذات الممكن ، ولا من جهة فرض تحقّق العلّة التامّة له كذلك.
فعلى هذا فكلّ جزء من أجزاء العالم سواء في إمكان حصول الوجوب الغيري له وأبديّته ، وكذا المجموع إذ ليس هو سوى جميع الأجزاء ، والهيئة التركيبيّة اعتباريّة هنا ، ليس أمرا موجودا خارجيا آخر ، وعلى تقدير تسليم كونها كذلك فهي أيضا من أجزاء العالم كما هو المفروض ، وهذا الذي ذكرنا إنّما هو بحسب الجليل من النظر والفحص الأوّلي.
وأمّا ما يقتضيه الدقيق من النظر والفحص الثانوي ، فهو أنّه لو كان شيء من أجزاء العالم بحيث قام دليل عقليّ أو سمعيّ على أبديّته ، سواء دلّ مع ذلك على امتناع زواله مطلقا ، أو لم يدلّ عليه ، بل على وقوع أبديّته بالفعل من غير الدلالة على امتناع الفناء واستحالته ، لكان ينبغي أن يحكم عليه مع إمكان الأبديّة بوقوع الأبديّة بالفعل ، مع استحالة الفناء والزوال ، أو بدونها ، كما أنّه لو كان شيء من أجزاء العالم بحيث قام دليل عقليّ أو سمعيّ قطعيّ على عدم إمكان أبديّته ، وعلى وجوب زواله وفنائه ، ينبغي أن يحكم عليه به ، وهذا مثل أنّا لو قلنا بأنّ الحركة والزمان من أجزاء العالم ، وحقيقتهما التقضّي والانصرام ، بحيث كلّما تجدّد جزء انقضى جزء وانعدم ، لكان ينبغي لنا أن نحكم بعدم إمكان أبديّة تلك الأجزاء المعيّنة والقطعات المتصرّمة المخصوصة ، وإن كنّا نحكم بأبديّة نوعهما لو قلنا بها.