كونه مانعا من وجود الصادر الأوّل لا يكون إلّا ضدّا له ومنافيا لوجوده ، وقد عرفت أنّه لا يتصوّر هنا. وكذا يظهر منه الجواب عن السؤال إذا اورد في القديم ، إذ القديم مع قدمه يكون صادرا أوّلا أيضا ، والمفروض كونه أيضا موجودا أصيلا عينيّا جوهرا مجرّدا أو ماديّا لا ضدّ له ، فتدبّر.
فإن قلت : إنّ ما ذكرت من أنّ المانع منحصر في الضدّ غير مسلّم ، فإنّ المتقابلين اللّذين كلّ منهما مستلزم لرفع الآخر قد يكونان ضدّين وقد يكونان سلبا وايجابا وقد يكونان عدما وملكة ، فجاز أن يكون فيما نحن فيه أحد من المتقابلين الأخيرين ، وفيه المطلوب أيضا.
قلت : إنّ الصادر الأوّل والقديم لمّا فرض كونهما موجودين عينيّين فهما لا يكونان عدما البتّة ، فبقي أن يكون ما فرض كونه مانعا عن وجودهما عدما ، وقد مرّت الإشارة إلى أنّ العدم بما هو عدم لا يمكن أن يكون متعلّقا للجعل والإيجاد أوّلا وبالذات حتّى عدم الملكة الذي يقال إنّه وجوديّ باعتبار ، فإنّ العمى مثلا إنّما يكون أوّلا وبالذات بحدوث صورة وهيئة وشكل في العين يتبع ذلك عدم البصر ، وحينئذ فلا يمكن أن يقتضي العلم بالأصلح إيجاد ما هو عدم لهما بالذات مطلقا سواء ذلك العدم عدم الملكة أو سلبا بحتا صرفا ، بل ينبغي أن يكون بإيجاد أمر وجودي يكون هو مستتبعا لعدمهما ومستلزما له ، وما هو إلّا ضدّهما ، وقد عرفت أن لا ضدّ للجواهر. وعلى تقدير تسليم إمكان تعلّق الجعل أوّلا وبالذات بالعدم ، فهذا العدم إن فرض كونه عدم ملكة ، فينبغي أن يفرض الصادر الأوّل أو القديم ملكة ، ومن المقرّر عندهم أنّ عدم الملكة وإن كان عدما باعتبار ، لكنّه وجودي باعتبار ، ومعناه عدم شيء من شأن نوعه أو جنسه تلك الملكة ، فينبغي أن يكون هناك موضوع أو محلّ قام به استعداد تلك الملكة ووجودها بحيث يمكن أن يتوارد عليه استعداد عدمها ، وكذا نفس ذلك العدم ، فينبغي أن يكون هناك موضوع أو محلّ يتواردان عليه ، ولا يمكن اجتماعهما فيه ، والحال أنّ الصادر الأوّل أو القديم حيث فرضا جوهرا مجرّدا أو جسما ليس لهما موضوع ولا محلّ ، فتبصّر.
وإن فرض كون ذلك العدم سلبا محضا ونفيا صرفا فهو من حيث هو سلب ونفي وإن لم يقتض موضوعا ، ولا وجوده ، حيث إنّ السلب يصدق بانتفاء الموضوع أيضا ، لكنّه هنا