رجالا كبارا إلّا أنّهم مغمورون. وانّها لمأساة حقّا أن لا تولي الحوزات العلميّة الشّيعيّة اهتماما كافيا بالعرفان النّظريّ والعمليّ والحكمة الإلهيّة ، ولا تعتني بالعلوم القرآنيّة وتفسير القرآن الكريم ، ولا توسّع نطاقها العلميّ ؛ إذ أصبحت حوزات أحاديّة العلم اقتصرت على الفقه والأصول ، وركّزت على العلوم النّقليّة ، وتركت تفسير القرآن والعلوم الّتي تنبثق منه وتحفظ أصالة الإسلام. ونلحظ في الجامعات أيضا أنّ العلوم الأصيلة ، والعلوم القرآنيّة ، وعلم التّوحيد والعرفان الّذي تألّق من بطن القرآن ، والعلم الإلهيّ ، والحكمة المتعالية الّتي تعدّ كلاما شيعيّا في مقابل كلام علماء العامّة ، كلّ ذلك آخذ بالزّوال. وكان بعض الجهلة المغرورين يخالون أنّ معرفة الصّرف والنّحو والمعاني والبيان ، والتّوغّل في اللغة العربيّة وآدابها يكفيان لفهم القرآن ، وبعضهم كان يرى أنّ ترجمة القرآن الكريم إلى اللّغة الفارسيّة مفتاح المعارف القرآنيّة.
ولا بدّ أن نعرف أيضا أنّ علم الكلام وحده لا يكفي لفهم القرآن ، بل قد يكون مضرّا ومضلّا.
إنّ علم الكلام على المذهب الأشعريّ مشحون بالأخطاء والهفوات ، وعلى أصول المعتزلة حامل لأخطاء فادحة ، وكلاهما وقع في فخّ التّنزيه الصّرف الّذي يلزم نفي التّوحيد الألوهيّ والتّشبيه الصّرف الملازم لاستناد آثار المادّيّات الخاصّة إلى الحيّ المنزّه عن عوارض الجسمانيّات. والمذهب الحقّ هو الجمع بين التنزيه والتّشبيه.
في ضوء ما ذكرنا كان الكلام الأشعريّ والمعتزليّ دعامة للمعارف القرآنيّة وزاعما فهم ظواهر القرآن والأحاديث المأثورة عن خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله ، وحلّ المسائل العويصة ، بيد أنّ الأصول والقواعد العلميّة لهاتين الفرقتين قد خرجت من نطاق العلم تماما خلال فترة قليلة نوعا ما. ونلحظ في كتب التّفسير أثرا للفرقتين المذكورتين لكنّه مضلّ.
إنّ ما ينبغي أن نذعن له هو أنّ علم التّفسير يستتبع عددا من العلوم ، وأنّ التّفسير يجب أن يكون مناسبا لبيئة خاصّة. وإذا همّ امرؤ أن يفسّر القرآن وهو في الأربعين أو الخمسين من عمره وكان أذكى النّاس ، فلا يفلح في عمله. إذ مع وجود الظّروف المساعدة على التّفسير ، لا بدّ أن يتعلّم الإنسان التّفسير في شبابه عند أستاذ مفسّر ، ويعمل ليل نهار،