بساطته.
وفي قوله : «وإذا كان كذلك لم يكن أمثال هذه قابلة للفساد ـ إلى آخره ـ» بهذه العبارة : أي إذا ثبت أنّ النفس ، إمّا أصل وإمّا ذات أصل ، لم تكن هي وما يجري مجراها ممّا لا تركيب فيه ولا هو بحالّ في غيره ممّا يقبل الفساد ، فانّ البقاء وقوّة الفساد لا يجتمعان في البسيط والأوّل حاصل ، فالثاني ليس بحاصل ، فإذن النفس لا يمكن أن تفسد.
وإنّما قال : بعد وجوبها بعللها وثباتها بها ، لأنّ أصل الوجود وبقاءه يكونان في ممكنات الوجود مستفادين من عللها.
واعترض الفاضل الشارح فقال : لو كان للنفس هيولى وصورة مخالفتان لهيولى الأجسام وصورها ، وكان الباقي منها هيولاها وحدها ، لما كان الباقي من النفس هو النفس بل جزءا منها. وحينئذ يجوز أن لا يكون كمالاتها الذاتية باقية لأنّها تابعة لصورتها.
والجواب : أنّ هيولى النفس تكون إمّا ذات وضع أو غير ذات وضع ، والأوّل محال ، لأنّ ذات الوضع لا تكون جزءا لما لا وضع له.
والثاني لا يخلو ، إمّا أن يكون مع كونها غير ذات وضع ، ذات قوام بانفرادها أولم تكن ، فإن كانت عاقلة بذاتها على ما مرّ ، لكانت هي النفس وقد فرضناها جزءا منها ، هذا خلف. وإن لم تكن ذات قوام بانفرادها ، فإمّا أن يكون للبدن تأثير في إقامتها أولم يكن. فإن كان ، كانت النفس غير مستغنية في وجودها عن البدن ، فلم تكن ذات فعل بانفرادها على ما مرّ ، وقد فرغنا عن إبطال هذا القسم.
وإن لم يكن للبدن تأثير في إقامتها ، كانت باقية بما يقيمها ، وإن لم يكن البدن موجودا ، وهو المطلوب.
ثمّ إنّ الصورة المقيمة إيّاها والكمالات التابعة لتلك الصورة ، لا يجوز أن تفسد وتتغيّر بعد انقطاع علاقتها عن البدن ، لأنّ التغيّر لا يوجد إلّا مستندا إلى جسم متحرّك ، كما تقرّر في الاصول الحكميّة.
ثم قال : والنفس تحت مقولة الجوهر ، فهي مركّبة من جنس وفصل ، والجنس والفصل إذا اخذا بشرط التجرّد كانا مادّة وصورة ، فالنفس عندهم مركّبة من مادّة وصورة ، وذلك يؤكّد ما ذكرنا.