يدلّ على ما ذكرنا كلام الشيخ في الكتابين ، حيث قال في الشفاء في فصل جوهرية النفس بهذه العبارة :
«فالنفس التي لكلّ حيوان ، هي جامعة اسطقسات بدنه ومؤلّفها ومركّبها على نحو يصلح معه أن يكون بدنا لها وهي حافظة لهذا البدن على النظام الذي ينبغي ، فلا يستولي عليه المغيّرات الخارجة ما دامت النفس موجودة فيها.» (١)
وقال في النمط الثالث من الإشارات في بيان أنّ نفس الإنسان غير الجسمية والمزاج بهذه العبارة :
«ولأنّ المزاج واقع فيه بين أضداد متنازعة إلى الانفكاك ، إنّما يجبرها على الالتيام والامتزاج قوّة غير ما يتبع التيامها من المزاج ، وكيف وعلّة الالتيام وحافظه قبل الالتيام فكيف لا يكون قبل ما بعده أي المزاج. وهذا الالتيام كما يلحق الجامع الحافظ وهن أو عدم يتداعى إلى الانفكاك ، فأصل القوى المدركة والمحرّكة والحافظة للمزاج شيء آخر لك أن تسمّيه النفس وهذا هو الجوهر الذي يتصرّف في أجزاء بدنك ثمّ في بدنك ـ انتهى.» (٢) وما نقلناه عنه في الكتابين نصّ فيما ذكرنا.
فإن قيل : لا يمكن أن يكون تغيّر المزاج والتركيب مسبّبا عن فساد النفس ، لأنّه لا سترة في أنّ تغيّرهما لكونه استحالة وحركة في الكيف زمانيّ تدريجىّ ، وحينئذ نقول : لو كان ذلك التغيّر مسبّبا عن فساد النفس ، لكان يجب أن يكون فساد النفس أيضا تدريجيّا ، لوجوب المناسبة بين العلّة ومعلولها ، والتدريج يستدعي حركة في زمان واقعة على مادّة تقبل الحركة التدريجيّة كما حقّق في موضعه والمفروض كون النفس مجرّدة غير ذات مادّة في ذاتها ، وإن فرض تلك المادّة ، هي مادّة البدن كما في الحركات النفسانية ، حيث إن النفس وإن كانت مجرّدة عنها في ذاتها ، لكنّها محتاجة إليها في فعلها ، كان هذا الفرض منافيا لما هو المفروض منها حيث إنّ المفروض في ذلك الاحتمال الثالث ، هو فساد البدن بفساد النفس لا العكس ، حتّى يمكن أن يكون فساد النفس تدريجيّا تابعا لفساد البدن أي لفساد مزاجه وتركيبه الذي هو تدريجيّ.
قلنا : سلّمنا ذلك لكنّا نقول : فما وجه الجمع بين كلامي الشيخ أي الكلام الذي ذكره في
__________________
(١) الشفاء ، الطبيعيات ، الفصل الثالث في أنّ النفس داخلة في مقولة الجوهر : ٢٥ ، طبع القاهرة.
(٢) شرح الإشارات ٢ : ٣٠١ ـ ٣٠٢.