أخذت إيران بالضّعف بعد الشّاه طهماسب. وقام أحد أحفاد السّيّد الشّريف ـ وكان سنّيّا متعصّبا ـ بإغواء الشّاه اسماعيل الثّاني وجعله سنّيّا ، لكنّ الشّاه أنكر تسنّنه خوفا من رؤساء قبيلة (استاجلو) وألقى الشّريف في السّجن ، وأثبت نذالته من خلال قتل أقاربه. وعمد إلى أولي الذّوق والفضل المحترمين من أولاد الشّاه اسماعيل الأوّل مؤسّس الامبراطوريّة الصّفويّة فقتلهم شرّ قتلة ، وأنزل بذلك ضربة فادحة بالبلاد والشّعب خلال عمره القصير.
كانت جميع مدن إيران وقصباتها بما فيها تبريز خاضعة للسّلطة العثمانيّة قبل حكومة عبّاس الأوّل الّذي كان لقب (الشّاه عبّاس الكبير) حقّه المطلق. وذاق النّاس فيها مرارة التّسلّط الأجنبيّ عشرين سنة. وصارت مدينة تبريز خربة ، وانجلى عنها كثير من أهلها. وتزوّج العثمانيّون عددا كبيرا من النّساء التّبريزيّات بالعنف والإكراه. وكانت قلعة تبريز مكانا مأمونا لولاة الدّولة العثمانيّة سنين طويلة. وعند ما كان الجيش الملكيّ على عشرة فراسخ من تبريز ، وضع التّبريزيّون قبّعاتهم الّتي كانت مألوفة عندهم في الماضي على رءوسهم وطفقوا يقتلون الأولاد المفروضين عليهم. وحينما دخل الجيش الإيرانيّ تبريز ، بدأ الجيش العثمانيّ يتقهقر بعد مقاومة قليلة ، وهذا ما تحدّثت عنه كتب التّاريخ.
وضعف مركز الحكومة الصّفويّة بسبب تشتّت الآراء حتّى كاد يزول ، وكانت الدّولة العثمانيّة تترصّد الفرصة لتزيد اعتداءاتها. ووقعت هرات في خراسان بأيدي الأوزبك سنة ٩٩٧ ه بعد تسعة أشهر من الدّفاع المستميت. وأخفق أهالي آذربايجان في طرد عثمان لو من منطقتهم. وأصبحت الطّرق غير آمنة وارتفعت أسعار البضائع الّتي يحتاجها النّاس بنحو لافت للنّظر حتّى أصبحت أغلى من الأمصار المجاورة.
ومنيت الدّولة بضعف أطمع فيها الأعداء حتّى إنّهم كانوا يتأهّبون لمهاجمتها.
وكانت الظّروف تتطلّب يومئذ حاكما مقتدرا نابها كيّسا ذا دهاء ، ومن حسن حظّ بلادنا والحكومة الصّفويّة أنّ ذلك الحاكم المطلوب كان موجودا ، وهو عبّاس الأوّل الّذي أنقذ البلاد ولم يأل جهدا في إرساء دعائم التّشيّع ونشر مباديه.
ولم يدّخر الملك المذكور وسعا في تشييد المساجد وإنشاء الجسور القويّة وكلّ ما جعل اصفهان نجمة متألّقة ، وكلّ ما أدّى إلى راحة التّجّار والكسبة ورخائهم في مجال