مَكِينٍ ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) ، (١) لو كان قوله تعالى (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ) إشارة إلى إفاضة النفس الإنسانيّة عليه ، فتدبّر.
وإذا عرفت ذلك تبيّن لك أنّ ما أورده صدر الأفاضل بقوله : «إلّا أنّه لم يتبيّن منه ما تحيّروا فيه من أنّ هذه الأفاعيل المترتّبة ، من الحفظ والتغذية والتصوير والإنماء والإحساس والنطق ، أهي كلّها صادرة من كلمة فاعلة لها قوى متعدّدة متجدّدة الحدوث؟ أو هي كلمات فعّالة متعدّدة متفاضلة في الكمال؟» غير وارد ، حيث إنّ كلام المحقّق الطوسي ؛ دلّ على الأوّل كما هو ظاهر كلامه ، ولكونه الحقّ ، ولكونه موافقا لكلام الشيخ وهو بصدد شرح كلامه.
وأمّا ما أورده بقوله : «فإن كان الأوّل فيلزم حدوث الناطقة مع حدوث النطفة ، فتكون معطّلة عن فعلها الخاصّ مدّة وهذا يخالف قواعدهم» ، فغير وارد أيضا.
أمّا أوّلا فلأنّه يمكن أن يكون مراد المحقّق الطوسي كما يشعر به بعض كلماته وحدة ما يقع عليه اسم النفس ، أي النباتيّة والحيوانيّة والناطقة بالذات ، لا الصورة الحافظة لمزاج المنيّ أيضا. فعلى هذا فلا يرد حدوث الناطقة مع حدوث النطفة حتّى يلزم التعطيل المذكور.
وأمّا ثانيا فلأنّه على تقدير أن يكون مراده وحدة تلك الصورة الحافظة أيضا مع تلك النفوس بالذات ، كما هو الأظهر ، يمكن أن يقال إنّ ذلك التعطيل إنّما يلزم لو لم يكن هناك مانع من توجّه الناطقة إلى فعلها الخاصّ بها ، وهذا ممنوع ، إذ ربما كان توجّهها إلى تكميل مادّة بدنها بحيث تصلح أن تكون آلة لاستكمالها ، أو انغمارها في الرطوبة على ما قيل ، أو نحو ذلك مانعا عن فعلها الخاصّ بها ، وهذا ليس فيه التعطيل المحال ، كما أنّها في مرتبة النباتيّة والحيوانيّة أيضا كذلك ، بل إنّها في بعض مراتب كونها ناطقة كمرتبة العقل الهيولاني أيضا كذلك ، ولا تعطيل ، إذ المانع من فعلها الخاصّ هناك موجود من نحو ما ذكرنا ، ولم يقل أحد بأنّ الناطقة في مراتب قواها النظريّة مثلا ، كالهيولانية وبالملكة وبالمستفاد وبالفعل نفوس متعدّدة بالذات أو أنّها في مرتبة الهيولانيّة ، نفس مغايرة بالذات
__________________
(١) المؤمنون : ١٢ ـ ١٤.