الطوسي رحمهالله في شرحه لبيان النقض ، وذكر أن كثيرا من الأعراض والصور البسيطة تكون باقية ممكنة الفساد مع بساطتها ، فهلّا كانت النفس كذلك.
وبيان الدفع أنّ البساطة الموجبة لعدم إمكان الفساد إنّما هي البساطة المطلقة ، بحيث لا يكون هناك تركيب من مادّة قابلة للفساد أصلا ، لا في ذات ذلك البسيط ولا فيما يقوم هو به كما في النفس ، وأمّا تلك الأعراض والصور فليست كذلك ، لأنّها قائمة بالمركّب من مادّة أو بالمادّة ، وتلك المادّة قابلة للفساد أي لفساد تلك الأعراض والصور عنها ، فلا بساطة مطلقة هناك ، فلهذا كانت ممكنة الفساد ، ولا يلزم من ذلك أن يكون هناك تركيب في ذوات تلك الأعراض والصور البسيطة ، حتّى ينافي بساطتها الذاتية.
ثمّ قال : «وإذا كان كذلك لم تكن أمثال هذه قابلة للفساد بعد وجوبها بعللها وثباتها بها» ، (١) أي إذا كان الجوهر العاقل منّا كذلك أو إذا كان الأمر كذلك أي أنّ النفس أصل وسنخ في الوجود والقيام بالذات والتعقّل بالذات وبسيطة في ذاتها غير قائمة بالمركّب من المادّة ولا بالمادّة التي هي قابلة للفساد وأنّها إذا اخذت مركّبة مع غيرها لم يؤثّر ذلك في صيرورتها مركّبة في ذاتها ولا في كونها قائمة بالمركّب من المادّة ولا بالمادّة ، بل كانت أصالتها وبساطتها المطلقتان باقيّتين لم تزولا ، لم تكن أمثال هذه في أنفسها قابلة للفساد بعد وجوبها بعللها وثباتها بها ولم يلزم أيضا كونها مادّة ، لأنّ المادّة أيضا وإن كانت بسيطة غير ممكنة الفساد وأصلا في المركّب من بعض الوجوه لكنّها ليست أصلا بالمعنى المذكور بخلاف النفس كما مرّ بيان ذلك كلّه. وإنّما قال : «بعد وجوبها بعللها وثباتها بها» ، إشارة إلى أنّ النفس كما أنّها ليس لها سبب لفسادها كذلك لها سبب لبقائها وهو وجوبها وثباتها بعللها الباقية التي لا يطرأ عليها الفساد البتّة ، فيلزم أن تكون هي أيضا باقية البتّة غير فاسدة أصلا ، لأنّ سبب بقائها موجود والمانع عنه ـ أي سبب فسادها ـ منتف ، فبأىّ طريق يطرأ عليها الفساد. وهذا نظير قول الشيخ فيما تقدّم من الدليل على عدم إمكان فساد النفس بفساد البدن ، حيث قال : فاستحالة الجسم عن أن يكون آلة لها وحافظا للعلاقة معها بالموت لا تضرّ جوهرها ، بل يكون باقيا بما هو مستفيد (٢) الوجود من الجواهر الباقية.
ثمّ إنّك بعد ما أحطت خبرا بتفاصيل ما ذكرناه وبينّاه ، ظهر لك توجيه كلام الشيخ بناء
__________________
(١) شرح الإشارات ٣ : ٢٨٨.
(٢) مبدأ (خ ل).