عن نظر وتأمّل. ولذلك أمر بالتأمّل وذلك النظر مثل النظر الذي أورده فيه المحشي م ن الشيرازي ، حيث قال في قوله : «ويندفع بأنّ الموجود في الذهن ـ إلى آخره ـ» فيه نظر ظاهر ، فإنّ كون الموجود في الذهن شخصا ذهنيّا محفوفا بعوارض ، يكون بعد التجريد عين الشخص الخارجي ، لا ينفي كونه عين الشخص الخارجي محفوظا في الذهن وموجودا فيه محفوفا بتلك العوارض. بل الحقّ في الجواب أن يقال : إنّ الحكم بأنّ «ب» مثلا في الخارج هو ما كان «ألف» فى الخارج يستدعي حفظ الذات واستمراره في الخارج ، ولا ينفع كونها في الذهن محفوظة ، نعم الحفظ في الذهن إنّما ينفع العلم بأنّ «ب» كان «ألف» وأمّا أنّ «ب» كان «ألف» في الخارج فلا بدّ فيه من أن لا يكون الذات مفقودة في الخارج ، فليتأمّل. ـ انتهى.
وإن كان الجواب الحقّ الذي ذكره هو أيضا محلّ تأمّل. فلذا أمر بالتأمّل وكأنّ وجه التأمّل ، أنّ لقائل أن يقول : لعلّه كان العلم بأنّ «ب» كان «ألف» كافيا في المقصود ، أي في امتياز المعاد عن المثل المستأنف المفروض ، لا بدّ لنفي ذلك من دليل. وحيث كان هذا الجواب أيضا محلّ تأمّل كجواب المحقّق الدواني ، ظهر أن التقرير الأتمّ والأحسن ما ذكرناه ، فتبصّر.
ثمّ إنّه حيث اتّضح بما ذكرنا تقرير كلام المحقّق الطوسي في التجريد في دليله الأوّل ، واتّضح أيضا بما ذكرنا تقرير ما ذكره في دليله الثالث بقوله : «ولم يبق فرق بينه وبين المبتدأ وصدق المتقابلان عليه دفعة ويلزم التسلسل في الزمان» ، فلنتكلّم في تقرير دليله الثاني الذي ذكره بقوله : «ولو اعيد لتخلّل العدم بين الشيء ونفسه». (١)
فنقول : إنّ الظاهر أنّ مقصوده أنّه لو اعيد المعدوم بعينه ، أي لو جاز كون شيء واحد موجودا بوجود أوّلا ثمّ زوال ذلك الوجود عنه في زمان آخر ثمّ وجوده بذلك الوجود في زمان ثالث ، فإمّا أن يكون الموجود بالوجود أخيرا غير الموجود بالوجود أوّلا ، غيريّة بالذات وبالشخص ، وكذا الوجودان ، فحينئذ لا يكون إعادة معدوم أصلا فضلا عن أن يكون إعادة معدوم بعينه كما هو المفروض ، لكون الموجودين بالوجودين ، وكذا الوجودين متغايرين بالذات وبالشخص. وإمّا أن يكون عينه عينيّة بالذات وبالشخص
__________________
(١) شرح التجريد : ٧٢.