الذهن ، لا يصحّ فيها فرض اثنينيّة ، ولا فرض تخلّل شيء في أثنائها ، فإنّ تخلّل العدم إنّما هو بين الوحدة الخارجيّة المنقطعة ، لا بين هذه الوحدة الذهنيّة ، لكونها مستمرّة غير منقطعة.
قلت : من الظاهر أنّ هذا لا يجدي نفعا ، إذ على هذا التقدير ، لا يصحّ فرض إعادة المعدوم أيضا ، فإنّه كما أنّ التخلّل إنّما يصحّ فرضه إذا فرضت هناك اثنينيّة ، كذلك العود إنما يصحّ فرضه إذا كان كذلك ، وإذا كانت الوحدة الذهنيّة كافية في وحدة الذات ، ولم يكن هناك اثنينيّة أصلا ، فكما لا يصحّ فرض التخلّل المذكور ، كذلك لا يصحّ فرض العود أيضا ؛ هذا خلف. بل ليس الفرض إلّا أنّ هذا التخلّل يلزم على تقدير فرض عود المعدوم كما ذكر وهو كذلك.
وأيضا على تقدير كون انحفاظ الوحدة الذهنيّة منشأ لانحفاظ شيء ، أي وحدة مطلقة في الجملة ، فلا يخفى أنّها من حيث كونها ذهنيّة ، لا تكون منشأ لانحفاظ الوحدة الخارجيّة من حيث كونها خارجيّة كما أنّ انحفاظ الوجود الذهنيّ من حيث هو وجود ذهني ، لا يكون منشأ لانحفاظ الوجود الخارجي من حيث هو خارجيّ ، بل يجوز أن ينحفظ الذهنيّ وينقطع الخارجي. وحيث جاز الانقطاع فلا بقاء للوحدة الخارجيّة ولا انحفاظ لها ، وحيث كان كذلك فينفرض هناك اثنينيّة وتخلّل شيء ، ومبناه أيضا على ما ذكرنا سابقا. وحيث كان مع ذلك الأمر الثاني الخارجيّ عين الأوّل الخارجي فينفرض تخلّل العدم بين الشيء ونفسه في الخارج في جميع تلك المذكورات التي فرضنا انعدامها في الخارج ثمّ عودها بأعيانها في الخارج ، يعني أنّه يلزم منه تخلّل العدم في الخارج بين تلك الأشياء بحسب كونها امورا خارجيّة وبين أنفسها من حيث كونها كذلك أيضا ، وإن لم يلزم ذلك من حيث وجوداتها الذهنيّة وانحفاظ وحدتها (١) في النفس ، وذلك كاف في لزوم المحال المذكور ، بل ليس كلامنا في هذا المقام إلّا في لزوم المحال المذكور بحسب ما هي امور خارجيّة فقط ، فتبصّر.
وأمّا بيان لزوم المحال الآخر على تقدير عود الوجود والحدوث والوقت فيظهر ممّا ذكره الشيخ في التعليقات ، حيث قال :
__________________
(١) في المصدر : وحداتها.