أو مغاير للوجود في زمان آخر. فجاز أن يكون ذلك الأخصّ ممتنعا والمطلق أو المغاير واجبا. وفي تجويز هذا الانقلاب من الامتناع الذاتي إلى الوجوب الذاتي مخالفة لبديهة العقل الحاكمة بأنّ الشيء الواحد يستحيل أن يقتضي لذاته عدمه في زمان ويقتضي لذاته وجوده في زمان آخر ، وإغناء للحوادث عن المحدث ، وسدّ لباب إثبات الصانع ، لجواز أن تكون ممتنعة لذواتها في زمان كونها معدومة ، وواجبة لذواتها حال كونها موجودة ، فلا حاجة لها إلى صانع يحدثها. ـ انتهى كلامه. (١)
وأقول : إنّ هذا الكلام عن آخره حقّ وصواب ، لكن لا أثر له في دفع هذا الجواب.
وتحقيق المقام يقتضي زيادة بسط في الكلام ، فنقول : الوجوب عبارة عن اقتضاء الذات للوجود مطلقا ، والامتناع عن اقتضاء الذات العدم مطلقا ، والإمكان عن لا اقتضائهما مطلقين ، وقد تقدّم أنّه لا يجوز الانقلاب بين هذه المفهومات الثلاثة ، بأن يكون شيء واجبا في زمان ثمّ يصير ممكنا ، أو ممتنعا في زمان آخر أو بالعكس ، لأنّ مقتضى ذات الشيء لا يختلف ولا يتخلّف بحسب الأزمنة ، لكن الوجود قد يقيّد بقيد سلبيّ أو إضافيّ فلا يقتضي ذات الواجب الوجود المقيّد بهذا القيد ، بل يمتنع اتّصافه به ، كما إذا قيّدنا الوجود بكونه مسبوقا بالعدم ، فإنّ هذا الوجود يمتنع اتّصاف ذات الواجب به فضلا عن اقتضائه له ، وبذلك لا يخرج ذات الواجب عن كونه واجبا ، ولا ينقلب عن وجوبه الذاتي إلى الامتناع الذاتي ، لأنّ اقتضاءه للوجود مطلقا باق بحاله ، لم يدخله تغيّر ولا تبدّل ولا انقلاب ، وكذلك العدم قد يقيّد بكونه مسبوقا بالوجود ، فلا يقتضي ذات الممتنع هذا العدم المقيّد ، بل لا يمكن اتّصافه به ، ولا يلزم من ذلك الانقلاب من الامتناع الذاتي إلى الوجوب الذاتي بناء على أنّ اقتضاءه للعدم مطلقا باق بحاله.
وعلى هذا القياس إذا قيّد الوجود بكونه ناشئا عن ذات الموصوف به لم يمكن اتّصاف ذات الممكن به ولم يصر الممكن بذلك ممتنعا إذ نسبته إلى الوجود المطلق باق بحاله لم يتغيّر بعد.
وأيضا فإنّهم قالوا : أزليّة الإمكان غير إمكان الازليّة وغير مستلزمة له ، وذلك لأنّا إذا قلنا إمكانه أزليّ أي ثابت أزلا كان الأزل ظرفا للإمكان ، فيلزم أن يكون ذلك الشيء
__________________
(١) شرح التجريد : ٧٤ ـ ٧٦.