بعذاب أشدّ ، وهو الخوف من رجوع عذاب أبلغ إيلاما لا يمكن وصفه.
(وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ). علاقة الحقّ تعالى بنظام الوجود لا يخصّ «جهة دون جهة».
لمّا كان الحقّ تعالى لا يتناهى ، وكان وجودا صرفا وبسيط الحقيقة ، فهو مرتبط بالخلق من جهات مختلفة. وجاء التّعبير عن معيّة الحقّ للموجودات بالمعيّة القيّوميّة ، وكما قال أعلم الخلائق وأقرب الموجودات إلى رسول الله وسرّ الأنبياء والأولياء : فهو تعالى دان في علوّه وعال في دنوّه ، وقيل ـ ونعم ما قيل ـ : نسبة خلق الأوّل إليه كنسبة خلق الآخر.
لذا تصرّف الحقّ في الأشياء هو من جهات عديدة «ولكلّ وجهة هو مولّيها». والموجودات متفاوتة من حيث الطّلب ، ولكن قد يتصوّر أنّ جميع الأشياء والممكنات تطلب الحقّ من وجه واحد.
تنقل أمور عجيبة وغريبة ومحيّرة حول الأنبياء والأولياء صلوات الله عليهم. والتّفنّن في شرائعهم أظهر وأبرز عند العارفين أولي الوجد والإقبال.
كلّما تجلّى من الأسماء الكلّيّة وفروعها الخاصّة على المظهر الإنسانيّ أكثر ، كانت عجائب الخلقة فيه أظهر. قال تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). (١)
لا يستساغ كثيرا أن نتطرّق إلى التّأويل الصّرف القائل : «انّ أبرهة النّفس الحبشيّة لمّا قصد تخريب كعبة القلب الّذي هو بيت الله حقيقة والاستيلاء عليها ...».
عند ما مرّ عزير على قرية خاوية ، أملى عليه ذوقه وشوقه إلى سرّ القدر وطلبه شهود الإحياء ، فقال مستبعدا : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها)؟
استبعاد الأنبياء قدرة الله المطلقة ليس له صورة حقيقيّة : فالحقّ تعالى أماته مائة عام
__________________
(١) البقرة : ٢٥٩.