إنّ من الآيات العظيمة المحيّرة المربّية للعارف والعاميّ هي الموت في نشأة عالم المادّة بأمر الحقّ ، والإحياء فيه أيضا. وهذا الضّرب من الموت والحياة هو غير الموت في هذا العالم والحياة في عالم الآخرة : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ.) (١) ولو مات أحد في هذه الدّنيا وحيي بأمر الله تعالى ، فانّ موتا آخر سيدركه أيضا.
الضّرب الآخر من الموت المقارن للحياة يرتبط بمن تقوم قيامتهم في هذا العالم ولا تأثير لنفخة إسرافيل في مقام السّفر إلى الآخرة مطلقا. والموت الّذي سيدرك سكّان الملك والملكوت في آخر المطاف يعني أنّهم سيجاورون الحقّ لمحة البرق بسبب العبادات وتعلّق مشيئة الحقّ بهم ـ إذ بلغوا مقام البقاء بعد الفناء والفناء عن الفناءين والصّحو الآخر ـ وإذا كتفت نفوسهم بذاتها واستغنت عن معلّم بشريّ ، فمعلّمها شديد القوى ، ؛ وحظيت «بجذبة من جذبات الحقّ يوازي عمل الثّقلين». والّذين لا يتحقّقون بقرب الفرائض ، فإنّ سيرهم محبّي.
جاء في آية كريمة مباركة أنّ الّذين لم تقم قيامتهم في هذه الدّنيا فإنّ أثر صعقة الفناء وحكم الفناء باق إلى أن ينبّههم الحقّ بقدرته الباهرة تبعا لاستعداداتهم كي يجزوا بأعمالهم. وإنّ الّذين تجري عليهم أحكام الصّعق ينقسمون إلى أقسام : بعضهم لا يقع عليه العذاب بسبب أعمالهم الصّالحة ، وإن كانت الأكثريّة الساحقة غير مشمولة بحكم قرب النّوافل والفرائض ، بيد أنّ أولي السّعادة يفوزون. وعلى الرّغم من أنّ منشأ تلك الأعمال المتجسّدة في صور المعاصي يشملهم في بداية ظهور غضب الحقّ ، ولكنّ النّاجين أكثر من الهالكين في النّار ، والموحّدون لا يخلدون في نار غضب الحقّ ، إلّا أنّ المكث والتّفنّن في العذاب النّاتج من حالات وملكات معيّنة في حدّ أنّ الله تعالى نفسه عالم بحقيقته ومدّته وبالعذاب النّاتج من غضبه ـ وقودها النّاس ، أي : العاصون ، والحجارة ، أي : القلوب الّتي هي أقسى من الحجر.
وينقطع العذاب عن البعض لأسباب مجهولة غامضة على الجميع ، ثمّ يعود بعد مدّة لمسوّغات اقتضت ، وينقطع مرّة أخرى بعد مضيّ فترة. ويمنى العصاة بعد قطع العذاب
__________________
(١) الزّمر : ٦٨.