في الأجسام» :
«أقول : فيه نظر ظاهر ، اذ لا يقول عاقل إنّه إذا احرق زيد وصار رمادا ، والقي في أرض الملح فصار ملحا ، فحينئذ يبقى شخص زيد بعينه ، ضرورة أنّ ما به زيد زيد لم يبق حينئذ ، بل عسى أن يدّعى عدم بقاء النوع. فعلى هذا يلزم على من قال بامتناع إعادة المعدوم ، وكان قائلا بالمعاد الجسماني أن يقول مثل ما يقول مثبتوا الجزء الصوري من أنّ الأجزاء المادّية باقية بعينها ، ويتبدّل ما يكون الشخص به شخصا إلى ما يماثله ، وبه يؤوّل الآيات والأحاديث الواردة في المعاد ، كما هو طريقتهم في تأويل الظواهر ، إذا دلّ القاطع على خلافه.
فإن قيل : فيلزم إيصال الثواب والعقاب إلى من يماثل من يستحقّهما.
قلت : المستحقّ للثواب والعقاب هو النفس المجرّدة ، وهي باقية بعد خراب البدن عند المحقّقين ، ومنهم المصنّف ، والمدرك للذّة والألم وإن كان جسمانيّا إنّما هو النفس ، والبدن آلة لها في الأفعال التي يستحقّ بها النفس الثواب والعقاب. وكذا لبعض اللذّات والآلام ، ولا محذور في أن كان استحقاق النفس لهما عند تعلّقها بآلة وإيصال أحدهما عند تعلّقها بآلة اخرى. ـ انتهى.» (١)
وأقول : لا يخفى عليك أنّ ما ذكره المحقّق الدواني لا غبار عليه ، وسنذكر فيما بعد إن شاء الله تعالى تحقيق معنى التناسخ المحال ، وأنّ عود النفس إلى بدن متألّف من مادّة البدن الأوّل ومن صورة هي أقرب الصور إلى الصورة الزائلة ، ليس من التناسخ المحال ، فانتظر.
وأمّا ما ذكره المحشّي الشيرازي ، فلا يخفى أنّه مجرّد استبعاد ، نظير استبعاد المنكرين للمعاد ، ومع ذلك فهذا الاستبعاد إنّما هو على تقدير القول بالجزء الصوري خاصّة.
ويندفع أيضا بما ذكره المحقّق الدواني بقوله : قيل يكفي في المعاد الجسماني ـ إلى آخر ما قال ـ وسنحقّق ذلك فيما بعد إن شاء الله العزيز.
وأمّا ذكره بقوله : «ضرورة أن ما به زيد زيد لم يبق حينئذ بل عسى أن يدّعى عدم بقاء النوع» ففيه : أنّ زيدا لو كان عبارة عن بدنه فقط ، لربما كان لما ادّعاه وجه ، وليس كذلك ،
__________________
(١) الحاشية على حاشية الدواني على شرح القوشجي ، مخطوط.