المادّية بقاء هيولى البدن ، كما هو مذهب هؤلاء في مطلق الجسم ، وإن كان طرأ على هيولاه صورة اخرى غير صورة البدن الأوّل حين الفناء ، وأقرب الصور إلى الصورة البدنيّة الاولى حين الإعادة ، ويحتمل أن يكون أراد به مع ما ذكر بقاء الأجزاء الأصليّة من البدن التي يظهر من بعض أحاديث الأئمّة الأطهار (عليهم سلام الله الملك الجبّار) أنّ منها تكوّن البدن ، وهي مبدأ نشئه ، وهي ممّا تبقى بعد خرابه ، كما روى الشيخ الصدوق ابن بابويه رحمهالله في الفقيه عن عمّار الساباطي.
أنّه قال : سئل أبو عبد الله (صلوات الله عليه) عن الميّت هل يبلى جسده؟ قال : نعم حتّى لا يبقى لحم ولا عظم ، إلّا طينته التي خلق منها فإنّها لا تبلى في القبر ، تبقى مستديرة حتّى يخلق منها كما خلق أوّل مرّة. (١)
والمراد من هذه الطينة الباقية ـ والله وأولو العلم أعلم ـ إمّا نفس النطفة المنويّة التي منها بدن الإنسان كما يشهد به ما رواه هو رحمهالله فيه أيضا.
أنّه سئل الصادق (صلوات الله عليه) لأيّ علّة يغسّل الميّت؟ قال : تخرج منه النطفة التي خلق منها تخرج من عينيه أو من فيه ... (٢)
وإمّا تلك النطفة المنويّة المخلوطة بالتراب التي هي مبدأ نشأ بدن الإنسان أوّلا ، وكذا هي مبدأ تكوّنه ثانيا في الحشر ، كما هو الأظهر ، وقد ورد في الأحاديث المرويّة عن أهل العصمة (سلام الله عليهم أجمعين) (٣) ، أنّ كلّ طينة خلق منها الإنسان يدفن فيها ، وأنّ النطفة إذا استقرّت في الرحم بعث الله تعالى ملكا ليأخذ من تراب المكان الذي يدفن ذلك الإنسان فيه ، فيأخذه ويخلطه بتلك النطفة ، فيخلق الإنسان من تلك النطفة المخلوطة بذلك التراب ، وإذا اقترب أجله يذهب إلى أن يجيء إلى ذلك المكان ، فيموت ويدفن فيه. وهذه النطفة مستديرة في القبر ، وتبقى إلى أن يخلق الإنسان في الحشر مرّة اخرى منها كما خلق أوّل مرّة ، ويشهد به قوله تعالى : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى). (٤) فتبصّر.
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٩١ ، طبع مكتبة الصدوق بطهران.
(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٣٨.
(٣) راجع الكافي ٣ : ٢٠٢ ، باب التربة التي يدفن فيها الميّت ، وراجع أيضا شروح الكافي.
(٤) طه : ٥٥.