مقدّمة الناشر
قضيّة الإيمان بالعودة إلى الله عزوجل ـ عبر سفر الموت ـ إحدى الركائز الأساسيّة التي يقوم عليها المعتقد التوحيديّ في الأديان الإلهيّة. وتشكّل هذه القضيّة ثاني قوسين تكتمل بتلاقيهما دائرة الحياة الإنسانيّة في الوجود ، بعد أن كان أوّلهما الإيمان بصدور الإنسان من الغيب الإلهيّ ، ليجتاز ـ في رحلة الحياة الدنيا ـ مراحل الكدح والنموّ والتكامل ، ثمّ ليعود إلى لقاء الله من جديد .. كما تعود القطرة مرّة اخرى إلى المحيط. وهذا الصدور من القدرة الإلهيّة ثمّ العودة إليها بعد الموت هو ما عرف في الثقافة الإسلاميّة باسم «المبدأ والمعاد» ؛ استلهاما من تعابير القرآن الكريم : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ـ) الأعراف ٢٩» و (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) ـ الأنبياء ١٠٤» و (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ـ يونس ٤».
ولا ريب أنّ حياة الإنسان القادمة في أسفار الآخرة مرتبطة ارتباطا صميميّا بأعمال الإنسان وبمساعيه في الحياة الدنيا ، وبما يحمل من معتقدات وأفكار ، وبما يعتمل في داخله من دوافع ونيّات. هنالك تتجسّد الأعمال والدوافع الداخليّة في عالم الانكشاف والظهور (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً ، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) ـ الكهف ٤٩» ، (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) ـ البقرة ٢٨١» ، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) ـ الزلزال ٧ ـ ٨».
وقد حفلت النصوص الإسلاميّة ـ قرآنيّة وحديثيّة ـ بذكر حقيقة المعاد وما يرتبط به ، بما لا تجد نظيرا له في أيّ من الأديان الاخرى. وشهدت الحياة العلميّة والدينيّة للمسلمين ، على تعاقب القرون ، مباحث شتّى حول عقيدة المعاد .. خلال كتب خاصّة ألّفت في الموضوع ، وخلال فصول تضمّنتها المؤلّفات الاعتقاديّة والأخلاقيّة والوعظيّة ، ليتجلّى للمسلم هذا الأصل الدينيّ الأساس ، وليتأهّب للسفر الأخرويّ ، حيث يصل الى الغاية التي هي لقاء الله.