إنّ العامل الرئيس في خراب حياة الإنسان على الأرض ، وفي ضلاله عن طريق التكامل ـ الذي حمل رسالته الأنبياء وبلّغ به الأوصياء عليهمالسلام ـ إنّما ينبعث من نسيان العودة إلى الله والغفلة عنها ، ناهيك عن التورّط في إنكار هذه العودة والتكذيب بها ، كما يتوهّم أصحاب الطريقة المادّيّة في التفكير.
وقد كانت معالجة الكتّاب والمفكّرين المسلمين لقضيّة المعاد على أنماط متفاوتة ؛ فمنها ما اعتمد النصّ أساسا في البحث ، ومنها ما نهج نهجا استدلاليّا عقليّا خالصا ، ومنها ما جمع بين الاستدلال العقليّ والاستناد إلى النصوص القرآنيّة والحديثيّة باعتبار الحقائق التي تجلّيها هذه النصوص محورا للاستدلال ، وموضوعا للبحث العقليّ والفلسفيّ.
وكتاب «منهج الرشاد في معرفة المعاد» هو ممّا ألّفه الآخوند الملّا نعيما الطالقانيّ ـ من كبار علماء الإماميّة في القرن الحادي عشر ـ وفق هذا النهج الأخير القائم على البرهان العقليّ المنوّر بالنّص ، وحدّد المؤلّف رحمهالله هدفه من الكتاب ، فقال : «أن نقيم الدليل على أنّ المعاد ينبغي أن يكون واقعا على هذا الوجه الذي دلّ عليه الشرع ، لا على وجه آخر» (١ : ٣٨٢). وقد عني فيه ببحث مختلف القضايا المتّصلة بعقيدة المعاد ، مناقشا ـ في ضمن ذلك ـ طائفة من أفكار الفلاسفة والمتكلّمين المسلمين وغير المسلمين ، وكاشفا عن وهن ما ألقي في هذا السبيل من شكوك وشبهات.
وكان هذا الأثر موضع عناية الأستاذ السيّد جلال الدين الآشتيانيّ ، فإنّه كتب له مقدّمة ضافية تحدّث فيها عن المؤلّف وعن بيئته العلميّة ، وزيّن الكتاب بتعليقات (هي المميّزة بعلامة النجمة) ، ثمّ أشار على مجمع البحوث الإسلاميّة في الآستانة الرضويّة المقدّسة بتحقيق الكتاب. وعملا من المجمع على نشر المعارف والعقائد الأصيلة تلقّى هذا الاقتراح بالتّرحيب ، وطلب من آية الله رضا أستادي تولّي هذا العمل ، فتحمّل أعباءه ، وكتب مقدّمة عن مصادر حياة المؤلّف وما يتّصل بمؤلّفاته .. فله وللأستاذ الآشتيانيّ وافر الشكر والامتنان ، ونسأل الله تعالى لهما المزيد من الخير والتوفيق.
وإذ يقدّم مجمع البحوث الإسلاميّة الجزء الأوّل من هذا الكتاب ، يسأل الله سبحانه التوفيق لإصدار الجزءين الآخرين ، والله المستعان في البدء وفي الختام.
|
مجمع البحوث الإسلاميّة ١٤١٨ ه ـ ١٣٧٦ ش |