وبالجملة فالنظر في معنى لفظ المعاد الذي ورد به الشرع واعتقدوا به ينفي هذا المذهب ، مع قطع النظر عن أنّ فيه إنكار المعاد الجسماني الذي عرفت أنّه ضروري في الأديان.
فإن قلت : لعلّ وجه تفسير المعاد على مذهبهم كما نقله الفاضل الأحساوي عن جماعة كثيرة من أهل الحكمة ، هو أنّهم جعلوا عودها إلى العالم العلوى بعد قطع العلاقة البدنيّة وفراغها عن الاشتغال بتدبير البدن ، عبارة عن المعاد.
قلت : على هذا وإن سلّمنا أنّه يصحّ إطلاق لفظ المعاد ، لكنّه مبنيّ على قدم النفس أو حدوثها ووجودها قبل البدن ، وسنحقّق القول بأنّها حادثة بحدوث البدن ، فانتظر.
على أنّا لا نسلّم صحّة إطلاق اللفظ حينئذ ، لأنّ الظاهر من معنى هذا اللفظ الوارد في الشرع ، أنّه عود أمر بعد ما زال بالموت ، وما فرض معادا على هذا التقدير هو لم يزل بالموت ، بل بالاشتغال بتدبير البدن ، وهو حياة ليس بموت. اللهم إلّا أن يدّعوا أنّه موت وهو كما ترى.
فإن قلت : لعلّ تفسير المعاد على هذا المذهب كما ذكره بعضهم أنّ المراد به عود الإنسان بنفسه بعد موته إلى الحياة لإيصال جزاء ما كسبت يداه.
قلت : العود إلى الحياة أيضا إنّما يصحّ إطلاقه إذا كانت الحياة زائلة عنها ثمّ عادت ، والمقدّر خلافه ، لأنّها كانت حيّة باقية حين ما تعلّق بالبدن وبعده إلى الحشر كما هو المفروض.
فإن قلت : لعلّ هؤلاء القائلين بالمعاد الروحاني خاصّة ، كما يشعر به كلام الشيخ في الشفاء على ما نقلناه سابقا ، إنّما قالوا به خاصّة ولم يتعرّضوا لإثبات الجسماني منه ، لأجل داع إليه لا ينافي القول بالجسماني منه أيضا ، وهو أنّ المعاد وإن كان على قسمين : روحاني ، وجسماني كما نطق به الشرع ، لكن لمّا كان الجسماني منه مقبولا من الشرع ولا سبيل إلى اثباته إلّا من طريق الشريعة وتصديق خبر النبوّة ، وقد بسطت الشريعة الحقّة حال السعادة والشقاوة اللتين بحسب البدن وكان الجسماني مفروغا عنه في الشرع القويم ، فلذا لم يتعرّضوا لإثباته. وأمّا الروحاني فلمّا كان مدركا بالعقل وبالقياس البرهاني وقد صدّقته الشريعة المقدّسة أيضا وكانت السعادة والشقاوة اللتان بحسب الأنفس ممّا