يكون إلّا للمحلّ. هذا خلف. ثمّ إنّا ندرك ذاتنا بذاتنا (٣) ، وأمّا شعورنا بشعور ذاتنا فقد وقد (٤) ، إذ ليس نفس وجودنا ، فهو كإدراكنا سائر الأشياء المدركة من خارج.» ثمّ أورد عليه شكّا وأجاب عنه ، ثمّ ذكر حجّة اخرى على ذلك مبنيّة على إدراك النفس للمعقولات ، ثمّ ذكر تينك الحجّتين اللتين استنبطهما من كلام الشيخ في «الإشارات» ، كما أشرنا إلى ذلك فيما تقدّم ـ قال (١) :
«حجّة اخرى : بدنك وأعضاؤك دائم الذوبان والسيلان ، لعكوف (٥) الحرارة الغريزيّة على التحليل والتنقيص ، وكذا غيرها من الأسباب ، كالأمراض الحادّة (٦) والمسهلات ، وذاتك (٧) أوّل الصّبا باقية ، فأنت أنت لا بدنك (٨)». ثمّ قال (١) : حكمة عرشيّة قالوا : هذا منقوض بسائر (٩) الحيوان ، فإنّ الفرس تحلّل أجزاء بدنه معلوم ، فلو كانت نفسه ـ كما قيل ـ منطبعة في جرم بخاريّ متحلّل دائما ، أو في عضو متغذّ متحلّل ، لكان كلّ عام بل كلّ اسبوع فرسا جديدا ، والحدس حاكم ببطلانه ، فللحيوان نفس كما لنا.
والشيخ وتلامذته وغيرهم من الحكماء تارة أنكروا بقاء الذات فيما سوى الإنسان ، وتارة أثبتوا للجميع نفسا علانية (١٠) ، وحكموا بصعوبة الفرق بين الإنسان وغيره في ذلك.
وأنت ـ بعد تذكّرك ما أسلفناه ـ ستذعن أنّ للحيوانات شركة في نفس متخيّلة مجرّدة عن (١١) عالم الحسّ ، لا عن عالم المثال ، على أنّ هذه البراهين تقتضي (١٢) تجرّد النفس عن البدن المحسوس وعوارضه فقط ، ولا تفيد (١٣) أزيد من هذا ، فهو ممّا يقع فيه الاشتراك لسائر (١٤) الحيوان ممّا له قوّة باطنيّة يشعر (١٥) بذاتها.
وبعضها مما يقتضي تجرّد النفس عن الكونين ، فهي مختصّة بالإنسان العارف ، وستعلم أنّ أصناف الناس ليسوا في درجة واحدة من المواطن». انتهى كلامه.
وأقول : لا يخفى عليك أنّ هذه الحجّة الأخيرة ، سواء اقيمت حجّة على تجرّد النفس
__________________
(٣) في المصدر : بذاتنا ، لأنّا لا نعزب عن ذاتنا ، وأمّا شعورنا ..
(٤) فقد فقد ...
(٥) بعكوف ...
(٦) الحارّة ...
(٧) وذاتك منذ أوّل ...
(٨) لا ببدنك ...
(٩) بسائر ... بسائر ...
(١٠) عقلانيّة ...
(١١) من ...
(١٢) يقتضي ...
(١٣) ولا يفيد ...
(١٤) لسائر ...
(١٥) تشعر.
(١) الشواهد الربوبيّة / ٢١٢ ـ ٢١٣.