كالتقعير فإنّه معنى تعليميّ ، إذا (١) قارن المادة صارت فطوسة ، وصار معنى طبيعيّا ، وكان للتقعير من حيث هو تعليميّ أن يفارق (٢) ، ولم يكن له من حيث هو طبيعيّ أن يفارق.
وأمّا أفلاطون فأكثر ميله إلى أنّ الصّور هي المفارقة ، وأمّا التعليميّات فإنّها عنده معان بين الصّور (٣) وبين المادّيّات ، فإنّها ، وإن فارقت في الحدّ ، فليس يجوز عنده أن يكون بعد قائم لا في مادّة. ـ إلى آخر ما ذكره في ذلك الفصل ـ.
وذكر مذاهب أخرى في ذلك وأبطلها وناقضها.
وبالجملة ، ففيما ذكره هنا إشارة إلى إبطال ما حكاه ثمّة وأبطله ، أي إلى أنّ القول بالمثل التي قال بها أفلاطون وغيره ، وقالوا أنّها قائمة بالذات مجرّدة عن الموادّ ، وهي بهذا الاعتبار معقولة من الأشياء المادّيّة ، سواء صورا طبيعيّة أو تعليميّات ، باطل كما أبطلناه في موضع آخر ، وعلى تقدير تسليم جواز كونها مفارقة الذّات ، فهي أيضا لا يمكن أن تكون بوجودها العينيّ علما ولا معلوما لنا ، بل المعقول منها أيضا إنّما هو ماهيّاتها المجرّدة ، كما في الذوات المفارقة.
ومنها أنّ الصّورة العلميّة الحاصلة من كلّ شيء ، مجرّد أو مادّيّ ، جوهر أو عرض ، فهي عرض في النّفس ، كما مرّ. وهذا الذي ذكرنا إنّما هو بيان مقاصده في هذا المقام.
وأمّا تحرير كلامه ، فهو أنّ هذه المعقولات مطلقا سنبيّن من أمرها بعد في موضع نبطل فيه المثل الأفلاطونيّة ونحوها ، أنّ ما كان من الصّور الطبيعيّة والتعليميّات ، فليس يجوز أن يقوم مفارقا بذاته ، بل يجب أن يكون هو في وجوده العقليّ وبحسب كونه معلوما في عقل أو في نفس ، وما كان من أشياء مفارقة عن المادّة بحسب وجوده العينيّ كالذوات المجرّدة ، فنفس وجود تلك المفارقات مباينة لنا ، ليس هو علمنا بها ، أي ليس وجودها العقليّ ووجودها من حيث كونها معلومة لنا حاصلة في عقولنا نفس وجودها لنا بوجودها العينيّ ، الذي هي بذلك الوجه مباينة لنا ، ولا يمكن أن تصير صورة لنفس إنسان كما مرّ ، بل يجب أن نتأثّر عنها ، أي أن تحصل ماهيّاتها لنا ، بحيث يمكن أن تصير صورة
__________________
(١) في المصدر : فإذا قارن ...
(٢) وإن لم يكن ...
(٣) الصّور والمادّيّات.