أيقنّا أنّه ربّنا وأنّه شيء بخلاف الأشياء ؛ فإنّه صريح فيما حمل الشّارح الجليل العبارة عليه.
وأمّا ثانيا ، فلأنّه على تقديره ، يكون الحكم المذكور في الشرطيّة المذكورة ، أي قوله عليهالسلام : ونحن إذا عجزت حواسّنا ـ إلى آخره ـ من قبيل إفادة الأمر البديهيّ ، إذ يكون مفاده حينئذ : ونحن إذا عجزت حواسّنا عن إدراكه أيقنّا أنّ ربّنا بخلاف الأشياء المحسوسة ، أي إذا عجزت حواسّنا عن إدراكه ، أيقنّا أنّه تعجز حواسّنا عن إدراكه وأنّه ليس بمحسوس وأنّه بخلاف المحسوسات. وهذا مع كونه إفادة بديهيّة لا تليق بمنصب الإمام عليهالسلام ، لا يكون فيه دلالة على وجه ظاهر في ردّ إنكار السّائل كما لا يخفى.
فبقي أن يكون توجيه العبارة على ما فهمه الشارح الجليل ، وعلى تقديره يلزم ما ادّعاه ، من نفي مجرّد سوى الله تعالى ، حيث يلزم منه ، إذا عجزت حواسّنا عن إدراكه أيقنّا أنّه ـ أي أنّ ذلك الشيء الذي عجزت حواسّنا عن إدراكه ـ هو ربّنا ، وأنّه بخلاف شيء من الأشياء. إذ لو كان هناك مجرّد غيره تعالى ـ والحال أنّ المجرّد ، هو ما يعجز الحواسّ عن إدراكه ـ لكان هو أيضا مشاركا مع الله تعالى في هذا الحكم ، أي في أنّه ربّنا ، وأنّه بخلاف شيء من الأشياء. وخصوصا أنّ كلمة «إذا» في اللغة وفي عرف المنطقيّين وإن كانت سورا للجزئية ، لكنّها تطلق في العرف العامّ إطلاقا شائعا سورا للكلّيّة ، فيلزم تعدّد الواجب تعالى ، وهو باطل قطعا.
وحيث عرفت ذلك ، فاعلم أنّ جواب ذلك الاستدلال إنّما يظهر بعد شرح الحديث الشريف وتحقيق مفاده ، وهو أن يقال : لا يخفى أنّ مفاد عبارة الحديث الشريف أنّ ذلك الزنديق لمّا قال : أوجدني ـ أي أفدني ـ كيف هو وأين هو؟ أجاب عنه عليهالسلام : بأنّ ذلك غلط ، لأنّ الله تعالى موجد الكيف بلا كيف ، وموجد الأين بلا أين ؛ فكيف يتّصف الخالق الموجد لهما بهما ، مع كونه خاليا عنهما في مرتبة ذاته ، وكذا في مرتبة إيجاده لهما ، فإنّ ذلك الاتّصاف لا سترة في أنّه لم يكن قبل إيجاده لهما ، وكذا لا يمكن أن يحصل بعد ذلك ؛ لأنّه إن كان بعد ذلك متّصفا بهما ، فإمّا أن يكون لا لحاجة له إليه ، فيكون