عبثا ، وهو محال على الله تعالى. وإمّا أن يكون لحاجة له إليه ، فيلزم أن يكون هو تعالى في مرتبة إيجاده لهما ناقصا ، ويصير بعد اتّصافه بهما تامّا ، وهذا أيضا محال. تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
فبيّن عليهالسلام أنّه تعالى لا يعرف بكيفوفيّة ولا بأينونيّة ، وزاد عليه بأنّه لا يدرك بحاسّة ، أي بحاسّة من الحواسّ الخمس الظّاهرة ، وكذا بحاسّة من الحواسّ الباطنة ، نظرا إلى ظاهر إطلاق العبارة ، أو لا يدرك بحاسة البصر ، أي لا يدرك ببصر من الأبصار ، نظرا إلى ما فهمه السّائل منه فيما رواه الشيخ الطبرسيّ ، حيث روى بعد ذلك : «قال الرّجل : فلم لا تدركه حاسّة البصر؟» وقد ذكر المحشّي النائينيّ (ره) (١) : «أنّ الإحساس في اللغة : الإبصار ، وقد نقله عن صاحب الغريبين قال : قال في الغريبين في قوله تعالى (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) (٢) ، أي علمه ، وهو في اللغة أبصره ، ثمّ وضع موضع العلم والوجود ، ومنه قوله تعالى (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) (٣) أي هل ترى ، يقال : هل أحسست فلانا؟ أي هل رأيته؟» ـ انتهى ـ.
ومنه يعلم أنّه يمكن حمل قوله عليهالسلام «ولا يدرك بالحواسّ» على أنّه لا يدرك بالقوى الدّرّاكة مطلقا ، لا بالحواسّ الظاهرة ولا بالحواسّ الباطنة ولا بالقوّة العقليّة. وبالجملة ، فهذا القول منه عليهالسلام ، سواء حمل على الأوّل بناء على ظاهر العبارة ، أو على الثاني بناء على أنّ المراد بنفي الإدراك بالبصر نفي إدراكه بغيره من الحواسّ أيضا ، وإنّما ذكره بخصوصه ، لأنّه أظهرها وألطفها ، أو على الثالث بناء على تعميم الإحساس والحواسّ ، كما يستفاد من كلام صاحب الغريبين. إمّا بيان حكم آخر برأسه ، غير عدم المعرفة بالكيفوفيّة والأينونية ، أو حكم متفرّع على السّابق ، لأنّ كلّ مدرك بالحواسّ لا يخلو عن كيفوفيّة وأينونيّة ولو بوجه ، فما كان قد عرى عن ذلك من كلّ وجه ، فهو لا
__________________
(١) الحاشية على الكافي للنائيني ، مخطوط.
(٢) آل عمران / ٥٢.
(٣) مريم / ٩٨.