وقوله : (١) لكنّه قد يتشكّك في هذا الموضع بأشياء من ذلك ـ إلى آخره ـ
هذا التشكيك الذي ذكره هنا إنّما هو من وجهين.
بيان الأوّل : أنّ في هذا الحدّ الذي حدّدتم به النفس اختلالا من وجوه : أمّا أوّلا ، فلأنّ لقائل أن يقول : هذا الحدّ لا يتناول النفس الفلكيّة ، لأنّكم قد قيّدتم الجسم بكونه آليّا ، والحال أنّ النفس الفلكيّة تفعل بلا آلات على المذهب الصحيح.
وأمّا ثانيا ، فلأنّكم على تقدير ترككم ذكر الآلات وقيد كونه آليّا ، واقتصاركم على قولكم : «له أن يفعل فعل الحياة» حتّى تدخل في الحدّ النفس الفلكيّة باعتبار ترك قيد كونه آليّا ، يلزمكم أن تخرجوا النفس الفلكيّة من الحدّ من وجه آخر ، لأنّكم عنيتم بالحياة وأفعالها فى قولكم في الحدّ : «له أن يفعل أفعال الحياة» ـ حيث فسّرتموها بأنّ أوّلها التغذّي والنموّ ـ معنى يشمل ما للنفس النباتيّة من التغذي والنموّ ، وما للنفس الحيوانيّة من الحسّ ، سواء جعلتم الإضافة في قولكم أفعال الحياة ، بيانيّة ، حتّى تكون تلك الأفعال الحياة نفسها ؛ أو لاميّة ، حتّى تكون تلك الأفعال غير الحياة منسوبة إليها ، كما سيجيء تحقيق معنى هذه الإضافة عن قريب ، والحال أن ليس للنفس الفلكيّة هذا المعنى من الحياة وأفعالها.
وهذا الذي ذكرناه إنّما هو تفصيل بيان الاختلال من هذا الوجه ، إلّا أنّه يظهر من المتشكّك أنّه حمل الإضافة على البيانيّة ، كما يدلّ عليه قوله (٢) : فإنّ الحياة التي لها ليس هو التغذي والنموّ ، ولا أيضا الحسّ ، وأنتم تعنون بالحياة التي في الحدّ هذا وكذا قوله بعد ذلك : «مع أنّ المذكور في الحدّ هو أفعال الحياة ، فافهم» والحاصل أنّه على التقديرين سواء ذكرتم قيد الآليّ في الحدّ أو تركتموه يلزم عليكم إخراج النفس الفلكيّة عن الحدّ.
وأمّا ثالثا ، فلأنّكم لو عنيتم بالحياة وأفعالها ، ما للنفس الفلكيّة من الإدراك مثلا والتصوّر العقليّ والتحريك لغاية إراديّة ، حتّى تدخل النفس الفلكيّة في الحدّ ، سواء
__________________
(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ١٠ ، الفصل الأوّل من المقالة الاولى من الفنّ السادس.
(٢) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ١١ ، الفصل الأوّل من المقالة الاولى من الفنّ السادس.