تركتم قيد الآليّ أيضا ، حتّى يشمل الحدّ للفلك على المذهب الصحيح من عدم كونه آليّا ، أو ذكرتموه حتّى يشمله على المذهب غير الصحيح من كونه آليّا ، يلزمكم حينئذ أن تخرجوا النبات من جملة ما يكون له نفس ، وأن تخرجوا النفس النباتيّة التي مقصودكم دخولها في هذا الحدّ عن هذا الحدّ ، لأنّه ليس لها ما ذكر من الامور التي للنفس الفلكيّة ، بل يلزمكم أن تخرجوا الحيوان من حيث هو حيوان من جملة ماله نفس ، وأن تخرجوا النفس الحيوانيّة التي مقصودكم دخولها في هذه الحدّ أيضا عن الحدّ. لأنّه ليس لها التصوّر العقليّ الذي للفلك.
وهذا أيضا تفصيل بيان اختلال الحدّ من هذا الوجه ، إلّا أنّ المتشكّك اكتفى بلزوم خروج النفس النباتيّة خاصّة ، لكونه أظهر. وكذلك ظاهر كلامه أنّه بناه على تقدير ترك قيد الآليّ ، ليكون الفلك داخلا على المذهب الصحيح.
وأمّا رابعا ، فلأنّكم حيث فسّرتم أفعال الحياة بقولكم «التي أوّلها التغذّي والنموّ». يلزم عليكم أن تجعلوا التغذي والنموّ حياة على تقدير كون الإضافة بيانيّة ، أو افعالا مستندة إلى الحياة على تقدير كونها لاميّة ، وعلى التقديرين يلزمكم أن تقولوا بكون النبات ذا حياة ، وأن تسمّونه حيوانا لأنّ اشتقاقه من الحياة ، وكلّ ذي حياة فهو حيوان ، والحال أنّكم لا تسمّونه حيوانا ولا تقولون بذلك.
وبما ذكرنا تمّ التشكّك من الوجه الأوّل ، ويظهر منه أنّ المتشكّك ، وإن ادّعى خروج النفس الفلكيّة بقولهم في الحدّ : «له أن يفعل أفعال الحياة» إلّا أنّ ذلك الخروج إنّما هو بسبب ما فسّروا أفعال الحياة كما عرفت ، وأنّ قولهم : «له أن يفعل» بإسناد الفعل إليه على سبيل الإمكان ، كما هو المفهوم من العبارة لا دخل له في ذلك الإخراج ، فيفهم منه أنّه حمل قولهم : «له أن يفعل» على معنى عامّ يشمل النفس الفلكيّة أيضا ، أي صورة كون الفعل دائميّا كما في الفلكيّة على ما حملناه عليه ؛ فتفطّن لهذه الدقيقة ، فإنّ لها فائدة ستظهر عن قريب.