وأمّا التشكّك من الوجه الثاني ، فهو ما أشار إليه بقوله (١) : «وأيضا لقائل أن يقول» ـ إلى آخره.
أي وأيضا لقائل أن يقول : ما الذي أحوجكم إلى أن تثبتوا نفسا ـ أي للنبات والحيوان والإنسان ـ غير حياتها ، ولم لم يكفكم أن تقولوا إنّ الحياة نفسها هي هذا الكمال الذي فسّرتم النفس به؟ فيكون الحياة هي هذا المعنى الذي يصدر عنه ما تنسبون صدوره إلى النفس من أفعال الحياة.
وكأنّ هذا التشكّك مبنيّ على جعل الإضافة في قولهم : «أفعال الحياة» لاميّة ، حيث جوّز كون الأفعال المنسوبة إلى النّفس ، منسوبة إلى الحياة ، فإنّه كما تضمّن دعوى الاتّحاد بين النفس والحياة ، كذلك يتضمّن دعوى المغايرة بين الأفعال والحياة ، فيظهر من كلام المتشكّك أنّه بنى كلّا من التشكّكين على تقدير ، حيث بنى الثاني على تقدير جعل الإضافة لاميّة ، كما هو ظاهر عبارة الحدّ أيضا ، والأوّل على تقدير جعلها بيانيّة ، وإن كان يمكن بناؤه على اللاميّة أيضا كما ذكرنا ، فتبصّر ، وبهذا القدر تمّ بيان التشكّك من الوجهين.
وقوله (٢) : «فلنشرع في جواب واحد واحد من ذلك وحلّه ، فنقول : أمّا الأجسام السماويّة فإنّ فيها مذهبين : مذهب من يرى» ـ إلى آخره.
هذا جواب عن التشكّك من الوجه الأوّل. ومحصّله الجواب عنه بالتزام خروج النفس الفلكيّة عن هذا الحدّ الذي هو حدّ للنفس الموجودة للمركّبات ، أي النفس الأرضيّة المتناولة للنباتيّة والحيوانيّة والإنسانيّة ، وأنّ خروجها عن هذا الحدّ لا ضير فيه ، فإنّه ليس هنا معنى مشترك يشترك فيه النفس النباتيّة والفلكيّة ، وأنّ اشتراكهما في اطلاق لفظ النفس عليهما إنّما هو بمجرّد اشتراك اللفظ دون المعنى ، بل ليس هنا معنى مشترك يشترك فيه النفس الحيوانيّة والفلكيّة إلّا بحيلة صعبة كما سيأتي بيانها.
__________________
(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ١١ ، الفصل الأوّل من المقالة الاولى من الفنّ السادس.
(٢) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ١١ ، الفصل الأوّل من المقالة الاولى من الفنّ السادس.