وحيث عرفت ذلك ، ظهر لك بيان تقسيم أهل الوعد والوعيد من أهل الجنّة والنار إلى تلك الأزواج الثلاثة والأصناف الثلاثة ، وبيان المراد من تلك الأصناف.
وظهر لك أنّ ما ذكره صاحب الكشّاف بقوله : «وقيل الناس ثلاثة ، فرجل ابتكر الخير» الخ ، يمكن حمله على ما ذكر ، حيث إنّه يمكن أن يحمل الرّجل الذي ابتكر الخير في حداثة سنّه ثمّ داوم عليه حتّى خرج من الدّنيا على من كان معصوما من الذنوب ، ولا خفاء في أنّه هو النّبيّ أو وصيّه السابق إلى الخيرات وإلى ما دعاه الله تعالى المقرّب عنده تعالى ، وكذا يمكن أن يحمل الرجل الذي ابتكر عمره بالذّنب وطول الغفلة ، ثمّ تراجع بتوبة على الذي آمن بنبيّه وبوصيّ نبيّه ، إلّا أنّه عمل عملا غير صالح لغفلته ولما دعاه إليه هواه ، ثمّ أدركته التوبة وخرج بذلك عن الضّلال ككثير من أمم الأنبياء عليهالسلام. وأن يحمل الرجل الذي ابتكر الشرّ في حداثة سنّه ثمّ لم يزل عليه حتّى خرج من الدنيا على الذي كان مكذّبا لنبيّه ووصيّ نبيّه ، ضالّا عن طريق الهدى حتّى خرج من الدنيا.
وكذلك يمكن أن يحمل على ما ذكر ما يظهر من كلام بعضهم في وجه تقسيم أهل الجنّة والنّار إلى تلك الأزواج الثلاثة ، حيث قال : إنّ الإنسان إمّا كامل في علمه وعمله جميعا فهو السّابق المقرّب ، وإمّا كامل في أحدهما ناقص في الآخر فهو من أصحاب اليمين ، وإمّا ناقص في كليهما جميعا فهو من أصحاب الشمال. إلّا أنّه ينبغي حمل كمال العلم أو العمل لأصحاب اليمين على ما كان أدون من كمال العلم أو العمل للمقرّبين. وهذا الذي ذكرناه إنّما هو بيان تقسيم أهل الجنّة والنّار إلى الأقسام الثلاثة.
وأمّا بيان تقسيم غيرهم إلى الأقسام الأربعة الباقية ، فيظهر ممّا ذكرنا من الأحاديث الدالّة عليه مع تعريف كلّ صنف منها ، فلا نطيل الكلام بشرحه.
ثمّ إنّه لبعض الفضلاء المعاصرين (١) كلام في ذكر أصناف الأمم وتفصيل عواقب أحوالهم ، لا بأس بنقله.
قال : اعلم أنّ النّاس أوّلا قسمان :
__________________
(١) هو الميرزا حسن القمّيّ رحمهالله منه. هو ابن الفياض اللاهيجيّ وصاحب شمع اليقين والمدفون بقم المقدّسة.