في ثبوت السعادة والشقاوة في عالم البرزخ
ثمّ إنّه حيث انجرّ الكلام إلى هذا المقام ، فلنرجع إلى ما كنّا بصدده من المرام ، فنقول: إنّ الشرع كما نطق بوجود قالب مثاليّ لكلّ روح من الأرواح ، وعرفت أنّه ممّا يؤيّده العقل أيضا ، كذلك دلّ على أنّ للأرواح في ذلك العالم المثاليّ ـ أي في عالم البرزخ ـ سعادة وشقاوة بدنيّتين ، ولذّة وألما حسّيّين ، وقد وردت بذلك أخبار لا تحصى ، كما لا يخفى على من تتبّعها ، ويؤيّده العقل أيضا ، حيث إنّ البدن المثاليّ إذا كان له قوى وحواسّ بدنيّة ، كما دلّت تلك الأخبار عليه ، وجب أن يكون من شأن الروح المتعلّقة به إدراك المحسوسات فتلتذّ به أو تتألّم على وفق حالها ومرتبتها ، وإلّا فيكون وجود تلك القوى والحواسّ معطّلا.
وبالجملة ، فيجب أن يكون لها في ضمنه لذّة حسّيّة أو ألم حسّيّ ، مضافا إلى السعادة والشقاوة العقليّتين اللتين هما لها بالقياس إلى ذاتها ، وقد دلّ الدليل العقليّ على وجودهما لها بحسب حالها ، ولم ينكره الشرع أيضا ، كما عرفت بيان ذلك فيما تقدّم.
وكذلك قد دلّ على أنّ اللذّة الحسّيّة والألم الحسّيّ في عالم البرزخ أعظم شأنا وأشدّ تأثيرا منهما في العالم الدنيويّ ، كما وردت به أخبار كثيرة أيضا.
وقد ورد أيضا تشبيه حالة البرزخ وما يجري فيها بحالة الرؤيا وما يشاهد فيها ، وهذا أيضا مطابق للعقل ، حيث إنّا نجد من أنفسنا أنّ المحلوم به أعظم شأنا في بابه من المحسوس الدنيويّ ، وكأنّ وجهه قلّة العوائق وتجرّد النفس وصفاء القابل ونحو ذلك ممّا له مدخل في كون اللّذة أعظم والألم أشدّ.
في تجسّم الأعمال
وكذلك قد ورد الشرع بما يدلّ على تجسيم الأعمال ، وذلك أيضا أكثر من أن يحصى: