المصوّر لهم في الدنيا وتقاسيه ، فإنّ الصور الخياليّة ليست تضعف عن الحسّيّة ، بل تزداد عليها تأثيرا وصفاء كما يشاهد في المنام ، فربّما كان المحلوم به أعظم شأنا في بابه من المحسوس ؛ على أن الأخرويّ (١) أشدّ استقرارا من الموجودة في المنام بحسب قلّة العوائق وتجرّد النفس وصفاء القابل. وليست الصورة التي ترى في المنام ، بل والتي تحسّ في اليقظة كما علمت ، إلّا المرتسمة في النفس ، إلّا أنّ أحدهما يبتدئ من باطن وينحدر إليه ، والثاني يبتدئ من خارج ويرتفع إليه. فإذا ارتسم في النفس (٢) فعل فعلها هناك الإدراك المشاهد وإنّما يلذّذ ويؤذي بالحقيقة هذا المرتسم في النفس لا الموجود في الخارج ، وكلّما ارتسم في النفس فعل فعله وإن لم يكن له سبب من خارج ، فإنّ السبب الذاتيّ هو هذا المرتسم ، والخارج سبب بالعرض أو سبب السبب ، فهذه هي السعادة والشقاوة الخسيستان اللتان بالقياس إلى الأنفس الخسيسة ، وأمّا الأنفس المقدّسة ، فإنّها تبعد عن مثل هذه الأحوال وتتّصل لكمالها بالذات وتنغمس في اللذّة الحقيقيّة وتتبرّأ عن النظر إلى ما خلفها والى المملكة التي كانت لها كلّ التبرّؤ ، إذ لو كان قد بقي (٣) فيها من ذلك أثر اعتقاديّ أو خلق تأذّت به وتخلّفت لأجله عن درجة العلّيين إلى أن ينفسخ ويزول (٤). انتهى كلامه.
وأقول : ومثله كلامه في «الإشارات» في كثير من تلك المطالب التي بيّنها ، ولعلّنا نذكر فيما بعد بعض كلامه فيه. فلنتكلّم أوّلا في شرح ما نقلنا عنه في هذا الفصل ، ثمّ نتكلّم في المقصد.
فنقول : إنّ ما ذكره أوّلا بقوله : «يجب أن يعلم أنّ المعاد منه ما هو مقبول من الشرع الخ» غرضه ظاهرا أنّ المعاد على قسمين :
قسم هو مقبول من الشرع ولا سبيل إلى إثباته إلّا من طريق الشريعة وتصديق
__________________
(١) في المصدر : الأخرى.
(٢) في المصدر : في النفس ثمّ هناك الإدراك.
(٣) في المصدر : ولو كان بقي ...
(٤) الشفاء ، الإلهيّات ، فصل المعاد.