حصولها للنفس منشأ للسعادة العقليّة ، وحصول ضدّها لها منشأ للشقاوة العقليّة؟ فقال : «وأمّا أنّه كم ينبغي أن يحصل عند الإنسان من تصوّر المعقولات» أي من التصوّر بالمعنى الأعمّ الشامل للتصديق بالمعقولات ، التي إدراكها كمال خاصّ بالنفس الإنسانيّة ، حتّى يجاوز الإنسان بسبب ذلك الكمال الحدّ الذي في مثل ذلك الحدّ تقع هذه الشقاوة ، وفي تعدّيه وجوازه والترقّي منه إلى حدّ آخر فوقه ترجى هذه السعادة ، فليس يمكنني أنصّ عليه وأصرّح به ، وأعيّنه تعيينا لخفائه ولإشكاله ، إلّا نصّا بالتقريب ، وأظنّ أنّ ذلك أن تتصوّر نفس الإنسان المبادئ المفارقة التي هي مباد فاعليّة ، لوجودها ولوجود غيرها من الأشياء التي تلك المبادي مباد لها ، تصوّرا حقيقيّا بالكنه إن أمكن ، وإلّا فبوجه يمتاز به عمّا عداه ، وتصدّق أيضا بها تصديقا يقينيّا بوجودها عنده بالبرهان ، وأن تعرف العلل الغائيّة للأمور الواقعة في الحركات الكليّة ، دون الحركات الجزئيّة التي لا تتناهى ، وبذلك يعسر معرفتها ، وأن يتقرّر عندها هيئة الكلّ ونسب أجزائه بعضها إلى بعض ، والنظام الآخذ من المبدأ الأوّل إلى أقصى الموجودات الواقعة في ترتيبه ، وأن تتصوّر العناية الأزليّة التي نظام الكلّ على طبقها ، وتتصوّر كيفيّة تلك العناية ، وأن تتحقّق أنّ الذات المتقدّمة للكلّ ، أي ذات المبدأ الأوّل تعالى شأنه ، أيّ وجود يخصّ ذاته ، وأيّة وحدة تخصّ ذاته؟ وكيف ينبغي أن تعرف تلك الذات المقدّسة عن التغيّر ، حتّى يلحقها تكثّر وتغيّر بوجه من الوجوه في أسمائه وصفاته وأفعاله؟ وكيفيّة صدور الكثرة من تلك الذات المقدّسة الواحدة بالذات ، وكيف ترتيب نسبة الموجودات إليها؟
وبالجملة ، أن يتحقّق عند النفس الإنسانيّة وجود المبدأ الأوّل تعالى شأنه وصفاته وأفعاله ، على ما هو الواقع ويقتضيه البرهان.
ولا يخفى أنّ ما ذكره الشيخ في تحديد ذلك الكمال مع كونه تحديدا بالتقريب كما ذكره ، فيه إشكال أيضا يعرف بالتأمّل الصادق.
والأظهر أن يقال في تحديده مطابقا لما دلّ عليه العقل ونطق به الشرع ، إنّه هو الإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله ، وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبجميع ما جاء الرّسل به من عند الله تعالى ، أي الإيمان والتصديق بذلك ، بحيث يعدّ