معالم الدين :
فصل
واعلم : أنّ لبعض العلوم تقدّما على بعض ، إمّا لتقدّم موضوعه ، أو لتقدّم غايته ، أو لاشتماله على مبادي العلوم المتأخّرة ، أو لغير ذلك من الامور التي ليس هذا موضع ذكرها.
ومرتبة هذا العلم متأخرة عن غيره ، بالاعتبار الثالث ؛ لافتقاره إلى سائر العلوم واستغنائها عنه.
أمّا تأخّره عن علم الكلام ، فلأنّه يبحث في هذا العلم عن كيفيّة التكليف ، وذلك مسبوق بالبحث في معرفة نفس التكليف والمكلّف.
وأمّا تأخّره عن علم اصول الفقه ، فظاهر ، لأنّ هذا العلم ليس ضروريّا ، بل هو محتاج الى الاستدلال ، وعلم اصول الفقه متضمّن لبيان كيفيّة الاستدلال.
ومن هذا يظهر وجه تأخّره عن علم المنطق أيضا ، لكونه متكفّلا ببيان صحّة الطرق وفسادها.
وأمّا تأخّره عن علم اللّغة والنحو والتصريف ، فلأنّ من مبادي هذا العلم الكتاب والسنّة ، واحتياج العلم بهما إلى العلوم الثلاثة ظاهر. فهذه هي العلوم التي يجب تقدّم معرفتها عليه في الجملة. ولبيان مقدار الحاجة منها محلّ آخر.