وهما بالمعنى الأوّل أعمّ مطلقا منهما بالمعنى الثاني ، ولتحقيق الكلام في الكناية محلّ آخر ليس هذا موضع ذكره ، ولعلّه يجيء الإشارة إلى بعض منه في بحث استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه إن شاء الله تعالى.
وقد ظهر بما ذكرنا أنّ استعمال الاستعارة على الوجهين المذكورين من المجاز اللفظي ، إذ ليس المقصود الأصلي من اللفظ هو بيان المعنى الحقيقي ، فما ذكره السكّاكي ـ من كونها حقيقة لغوية بناء على الوجه الأوّل وأنّ التصرف حينئذ في أمر عقلي خاصّة ـ ليس على ما ينبغي ، فالأظهر فيها هو القول المشهور.
هذا غاية ما يوجّه به المقام ، ومع ذلك فتصحيح المقصود بذلك لا يخلو عن كلام ، وتطبيق الحدّ عليه لا يخلو عن خفاء ، والاتيان بمثل تلك التعبيرات في الحدود والتقسيمات غير خال عن إشكال ، وكأنّ وضوح الحال عندهم من الخارج قرينة متمّمة للحدّ ، فتأمّل.
الرابعة
الوضع باعتبار الموضوع قد يكون شخصيّا وقد يكون نوعيّا ، وذلك لأنّ الواضع إمّا أن يلاحظ شخصا من اللفظ متعيّنا بمادّته وهيئته ويضعه بإزاء المعنى فالوضع فيه شخصي ؛ لتعلّقه بشخص معيّن من اللفظ غير ممكن الصدق على ألفاظ مختلفة وإن كان بحسب الواقع كليّا لتعدّده بحسب تعدّد أزمنة الاستعمال وتعدّد المستعملين ولو في زمان واحد ، فإنّ ذلك لا يوجب تعدّدا في نفس اللفظ ، وإنّما يقضي بتعدّد الاستعمال ، فوحدة اللفظ من قبيل الوحدة النوعيّة لا ينافي التكثّر في الوجود.
فليس المراد بالشخص في المقام ما لا يمكن صدقه على كثيرين كما يتراءى في بادئ النظر ، بل المراد به ـ كما قلنا ـ هو اللفظ المخصوص الذي يستحيل صدقه على ألفاظ مختلفة ، وحينئذ فإذا وضع ذلك اللفظ لمعنى تعيّن له حيث ما وجد من غير أن يحتاج تعيّن تلك الجزئيات له إلى معيّن آخر ، بل يتعيّن له بذلك الوضع ، وحينئذ فلا وجه لجعل اللفظ حال الوضع مرآة لمستعملاته ووضع