لكن لا يبعد جريان الكلام في وقوع الأمر بعد ظنّ الحظر بل في مقام توهّمه كما لو وقع السؤال عن جواز الفعل فورد في الجواب الأمر به ، يشهد بذلك فهم العرف ، وقد نبّه على ذلك غير واحد من المتأخّرين.
الثالث : لو وقع الأمر بالشيء بعد الكراهة فهل الحال فيه الواقع عقيب الحظر وجهان ، ويجري ذلك في الوارد عقيب ظنّ الكراهة وتوهّمه كما لو سئل عن كراهة الشيء ومرجوحيته فورد الجواب بالأمر به.
الرابع : يجري الكلام المذكور في ورود النهي عن الشيء عقيب وجوبه ، بأنّه هل يراد به ما يراد بالنهي الابتدائي ، أو يكون ذلك قرينة على إرادة رفع الوجوب ، أو يتوقّف بين الأمرين.
ويحكى عن البعض الفرق بين الأمر الوارد عقيب الحظر والنهي الوارد عقيب الإيجاب، فقال بأنّ الثاني يفيد التحريم بخلاف الأوّل فإنّه لا يستفاد منه الوجوب واستند في الفرق بين الأمرين الى وجهين واهيين.
أحدهما : أنّ النهي إنّما يقتضي الترك ، وهو موافق للأصل بخلاف الأمر ، لقضائه بالإتيان بالفعل ، وهو خلاف الأصل ، فحمل الأوّل على التحريم لإيجابه ما يوافق الأصل لا يقضي بحمل الثاني على الوجوب مع إيجابه ما يخالفه.
والآخر : أنّ النواهي إنّما تتعلّق بالمكلفين لدفع المفاسد بخلاف الأوامر ، فإنّها لجلب المنافع واعتناء الشارع بدفع المفاسد أكثر من جلب المنافع فما يكتفى به في صرف غير الأهم لا يلزم أن يكتفى به في صرف الأهم.
ثالثها
قد عرفت أنّ الأمر حقيقة في مطلق الطلب وأنّ الظاهر من الطلب مع الإطلاق هو الطلب الحتمي الإيجابي ، فيكون انصراف الأمر الى الوجوب لظهوره من الإطلاق لا لكون الصيغة حقيقة فيه بخصوصه كما ظنّ في المشهور ، وحينئذ نقول : إنّه كما ينصرف الأمر حين الإطلاق الى الوجوب كذا ينصرف الى الوجوب النفسي المطلق العيني التعييني ، فكون الوجوب غيريا أو مشروطا أو كفائيا