وقد يتأمّل فيما لو كان التقييد على سبيل التجوّز باستعمال المطلق في خصوص المقيّد، إذ قد يقال حينئذ بكونه من المعارضة بين التخصيص والمجاز. فتأمّل.
وقد يعدّ من ذلك دوران الأمر بين إخراج بعض الأفراد عن العموم أو تقييد الحكم فيما يراد إخراجه ببعض الأحوال ، كما في قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١) فإنّه بعد ثبوت خيار المجلس مثلا في البيع يجب ارتكاب أحد الأمرين من القول بخروج البيع عن العامّ المذكور وتخصيصه بغيره أو تقييد الحكم الثابت للبيع بغير الصورة المفروضة.
وأنت خبير بأنّه لا دوران في المقام بين التقييد والتخصيص ، فإنّا إن قلنا بعموم الحكم لكلّ الأفراد في كلّ الأحوال فلا تأمّل إذن في أنّ القدر الثابت إخراجه هو خصوص الحالة المذكورة ، وهو أيضا تخصيص للعامّ ، وإن قلنا بأنّ عمومه إنّما يثبت بالنسبة إلى الأفراد دون الأحوال فلا موجب إذن للقول بالتخصيص ؛ إذ الدليل إنّما دلّ على عدم ثبوت الحكم بالنسبة إلى الحال المفروض فيثبت اللزوم في سائر أحواله من جهة إطلاق دلالة العامّ على ثبوت اللزوم.
وبالجملة : أقصى ما يقتضيه الدليل المذكور إخراج البيع بالنسبة إلى خصوص الحالة المفروضة ليس إلّا ، فمن أين يجيء الدوران بين التخصيص والتقييد ، فما في كلام بعض الأفاضل من عدّ ذلك من المسألة كما ترى.
سادسها : الدوران بين التخصيص والإضمار ، والظاهر ترجيح التخصيص ؛ لرجحانه على المجاز المساوي للإضمار ، وعلى القول برجحان المجاز على الإضمار فالأمر أوضح ، وأمّا على القول برجحان الإضمار على المجاز فربّما يشكل الحال في المقام ، إلّا أنّه لا يبعد البناء على ترجيح التخصيص أيضا ؛ نظرا إلى غلبته وشيوعه في الاستعمالات.
سابعها : الدوران بين التخصيص والنسخ ، فعن ظاهر المعظم ترجيح التخصيص
__________________
(١) سورة المائدة : ١.