يتحقّق سقوط الواجب بمجرّد صدور الفعل منه على سبيل الغفلة ونحوها ولا بفعل الغير ، حسب ما عرفت من قضاء ظاهر الأمر بإيجاب الفعل الصادر على سبيل القصد والإرادة ، فسقوط التكليف بغير الإتيان به على النحو المذكور يتوقّف على قيام الدليل على كون المقصود هو حصول مجرّد الفعل ، كما أنّ البناء على اعتبار قصد الإطاعة والانقياد يحتاج الى قيام دليل عليه.
فظهر بما ذكرنا أنّه لا يتوقّف أداء الواجب على ما يزيد على قصد الفعل وإرادته ، فلا حاجة في حصوله الى قصد الطاعة والقربة ، إلّا أن يثبت كونه عبادة فيتوقّف حينئذ على مجرّد قصد القربة من غير أن يتوقّف كغيرها الى تعيين الفعل إذا كان متعيّنا في الواقع ، ولا الى تعيين شيء من أوصافه من الوجوب والندب والأداء والقضاء وغيرها ، إذ الواجب هو حصول الفعل بالقصد اليه وهو حاصل بإيجاده كذلك من غير حاجة الى ضمّ شيء من المذكورات ، إلّا أن يتوقّف تعيين الفعل على ضمّ بعضها فيتعيّن ذلك من تلك الجهة.
نعم ، لو ضمّ اليه قصد الامتثال والإطاعة حصل استحقاق المدح والثواب بخلاف ما لو يضمّه ، فإنّه إذن لا يستحقّ المدح والثواب بل إنّما يندفع به العقاب.
ومن هنا ظهر أنّ أخذ المدح على الفعل أو الثواب عليه في تحديد الواجب ليس على ما ينبغي ؛ إذ ليس استحقاق ذلك إلّا في العبادة بالمعنى الأعمّ.
سادسها
أنّ تعدّد الأمر المتعلّق بالمكلّف ظاهر في تعدّد التكليف كما يقتضيه رجحان التأسيس على التأكيد ، ويشهد به فهم العرف.
نعم ، لو تعلّق الأمران بمفهوم واحد وكان كلّ منهما متوجّها الى مكلّف لم يكن ذلك ظاهرا في تعدّد الواجب في الشريعة حتّى يكون الأمر المتوجه الى كلّ منهما دليلا على ثبوت واجب غير ما يدلّ عليه الآخر ، لحصول التأسيس حينئذ مع اتّحاد الواجب في الشرع ، نظرا الى تعدّد الواجبين بالنسبة الى المكلّفين فلا قاضي بتعدّد الواجب في الشريعة مع قضاء أصالة البراءة بالاتّحاد.