وحمل كلامهم على الوجه المتقدّم وإن كان ممكنا إلّا أنّه لا داعي إليه مع خروجه عن الظاهر ، وما ذكر من قيام الشاهد عليه مدفوع بما عرفت من تصحيح الاستعمالات على كلّ من الوجهين المذكورين ، وعليك بالتأمّل في ما فصّلناه فإنّي لم أر أحدا حام حول ما قرّرناه ، فإن وجدته حقيقا بالقبول فهو من الله ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.
السادسة
ذهب جماعة من علماء العربيّة إلى اختصاص الوضع بالمفردات ، وأنّ المركّبات لا وضع فيها من حيث التركيب ؛ لحصول المقصود من الانتقال إلى المعنى التركيبي بوضع المفردات ، فلا حاجة في استفادة ذلك منها إلى وضع آخر.
ويدفعه : أنّ مجرّد وضع المفردات غير كاف فيما يراد من المركّبات ، فإنّ الجمل الخبريّة مثلا إذا اريد بها الإخبار عمّا تضمّنته كانت حقيقة دون ما إذا اريد بها غير ذلك ، فتكون موضوعة لإفادته ، وهو أمر وراء ما يعطيه أوضاع المفردات ، فإنّه حاصل فيها مع عدم إرادة الإخبار ، أيضا فإنّه إذا اريد بها إفادة المدح أو بيان التحزّن والتحسّر أو التذلّل والتخضّع أو الضعف والوهن ونحو ذلك كان مفاد المفردات في الجميع على حاله من غير تفاوت إلّا بالنسبة إلى المعنى التركيبي ، فلو لا القول بثبوت الوضع للهيئات التركيبية لما صحّ القول بكونها حقيقة في الإخبار منصرفة إليه عند الإطلاق مجازا في غيره.
وفيه : أنّ دلالة المفردات بعد ضمّ بعضها إلى البعض كافية في إفادة الإخبار ، إذ هو مدلول تلك الألفاظ مع قطع النظر عن جميع الامور الخارجيّة ، وأمّا كون الملحوظ سائر الفوائد المترتبة على الكلام فلا بدّ من قيام شاهد عليه ، إذ لا تفي المفردات بالدلالة على إرادتها ، وبعد قيام القرينة على ملاحظتها فليست المفردات مجازا قطعا وكذا المركّب وإن لم يكن مجرّد تلك العبارة كافيا في فهمها من دون ملاحظة القرينة ، فانصراف إطلاق الجمل الخبريّة إلى خصوص الإخبار بمضمونها لا يستلزم كونها موضوعة بإزائه ؛ لما عرفت من أنّ السبب في انصرافها