لخصوص الجزئيّات لكانت من متعدّد المعنى قطعا مع عدم اندراجها في شيء من المذكورات، فيكون قسما خامسا ، وهو خلاف ما يقتضيه كلام القوم.
ثالثها ـ وهو أضعفها ـ : أنّها لو كانت موضوعة بإزاء الجزئيّات لزم استحضار ما لا يتناهى حال تعلّق الوضع بها ، ضرورة توقّف الوضع على تصوّر المعنى ، وهو واضح البطلان.
واجيب عن الأوّل بحمل كلامهم على إرادة المصداق دون المفهوم ، كيف ومقصودهم من بيان معاني تلك الألفاظ هو معرفة المراد منها في الاستعمالات ، ومن البيّن أنّ المراد منها في الاستعمال هو ذلك دون نفس المفهوم ؛ للاتّفاق على عدم جواز الاستعمال فيه.
وعن الثاني بأنّ تقسيم الألفاظ إلى الأقسام المعروفة لمّا كان من القدماء وهم لمّا لم يثبتوا هذا النوع من الوضع لم يذكروه في الأقسام ، والمتأخّرون مع إثباتهم لذلك لم يغيّروا الحال في التقسيم عمّا جرى عليه القوم ، بل جروا في ذلك على منوالهم ، وأشاروا إلى ما اختاروه في المسألة في مقام آخر.
وعن الثالث بما هو ظاهر من الفرق بين الحضور الإجمالي والتفصيلي ، والقدر اللازم في الوضع هو الأوّل ، والمستحيل بالنسبة إلى البشر إنّما هو الثاني.
قلت : وأنت بعد التأمّل في جميع ما ذكرناه تعرف تصحيح الوضع في المقام على كلّ من الوجهين المذكورين ، وأنّه لا دليل هناك يفيد تعيين إحدى الصورتين وإن كان الأظهر هو ما حكي عن القدماء على الوجه الّذي قرّرناه ؛ لما عرفت من تطبيق الاستعمالات عليه ، فلا حاجة إلى التزام التغاير بين المعنى المتصوّر حال الوضع والموضوع له ، فإنّه تكلّف مستغنى عنه مخالف لما هو الغالب في الأوضاع ، بل وكأنّه الأوفق عند التأمّل بظاهر الاستعمالات ، ولو لا أنّ عدّة من الوجوه المذكورة قد ألجأت المتأخّرين إلى اختيار الوجه المذكور لما عدلوا عمّا يقتضيه ظاهر الوضع ، ويعاضده ظاهر كلام الجمهور ، ويؤيّده أيضا ظاهر ما حكي عن أهل اللغة.