ثمّ إنّ الحقيقة الشرعيّة مندرجة في العرفيّة الخاصّة ، إلّا أنّهم للاعتداد بشأنها جعلوها قسما برأسه ، وحينئذ ينبغي زيادة قيد آخر في تعريف العرفيّة ليخرج عنه الشرعيّة ، وحينئذ فبين الأقسام المذكورة تباين كلّي كما هو قضيّة تقسيم الحقيقة اليها على ما هو المعروف ، وقد يطلق الحقيقة العرفيّة على اللفظ المستعمل فيما هو حقيقة فيه في العرف سواء كان بوضع أهل اللغة أو غيرهم ، كما يقال : «إنّ الأصل اتّحاد الحقيقة العرفيّة واللغويّة حتّى يثبت التعدّد» وكأنّه توسّع في الاستعمال أو أنّه اصطلاح آخر ، وكأنّ الأوّل هو الأظهر ، وبين العرفيّة بهذا المعنى واللغويّة عموم من وجه ، كما هو الحال بينهما وبين العرفيّة بالمعنى المتقدّم وهو ظاهر.
ثمّ إنّ نفيه الريب عن وجود الحقيقتين وذكره الخلاف في خصوص الشرعيّة يومئ الى انتفاء الخلاف بالنسبة الى الاوليين وهو كذلك ، إلّا أنّ هناك خلافا ضعيفا في خصوص العرفيّة العامّة.
وربما يعزى الى شذوذ من العامّة وأخباريّة الخاصّة المنع منها ، وهو بيّن الفساد ؛ وكأنّه مبنيّ على الشبهة المعروفة في عدم تحقّق الإجماع ثمّ العلم به بعد ذلك ، فيقال بامتناع اجتماع الكلّ على النقل ثمّ امتناع العلم به ، وهو موهون جدّا.
ومع الغضّ عن ذلك فأقصى ما يلزم منه امتناع حصول النقل بالنسبة الى آحاد أهل اللسان المتشتّتين في البراري والبلدان ، وأمّا لو اعتبر في المقام حصول النقل بالنسبة الى معظم أهل اللسان من غير ملاحظة لحال جميع الآحاد ـ كما هو الظاهر ـ فلا يدلّ على ثبوت الحقيقتين المذكورتين ـ بعد الاتّفاق عليه ـ ما يشاهد من الألفاظ المعلوم وضعها بحسب اللغة لمعانيها المعروفة بالتسامع والتظافر بحيث لا مجال فيها للريب ، وكذا ما يشاهد من الموضوعات العرفية العامّة والخاصّة.
وما قد يناقش في العلم بثبوت الحقيقة اللغويّة من أنّ القدر المعلوم هو وضع تلك الألفاظ لمعانيها المعروفة ، وأمّا كون ذلك عن واضع اللغة فغير معلوم ؛ إذ ربما كانت كلّها منقولات عن معاني اخر قديمة ممّا يقطع بفساده وعلى فرض تسليمه