ولنتبع الكلام في المرام بمسألة اخرى تداول ذكرها بين الأعلام يناسب إيرادها في المقام، وهي أنّ ألفاظ العبادات كالصلاة والزكاة والصيام هل هي أسامي للصحيحة المستجمعة لجميع الأجزاء المعتبرة في الصحّة وشرائطها ، أو يعمّها والفاسدة؟ وقد اختلفوا في ذلك على قولين ، أو أقوال ، ولنوضح الكلام في المسألة برسم مقامات أربعة :
الأوّل في بيان محلّ النزاع في ذلك :
فنقول : إنّ النزاع في المقام إنّما هو في ألفاظ العبادات ممّا استعملها الشارع في المعاني الجديدة المستحدثة كالصلاة والزكاة والصوم والوضوء والغسل ونحوها ، دون ما كان من ألفاظ العبادات مستعملة في معانيها اللغويّة كالزيارة والدعاء وتلاوة القرآن ونحوها ، فلا ريب في وضعها في اللغة للأعمّ ، والمفروض استعمالها في المعاني اللغويّة فتكون مستعملة في الأعمّ من الصحيحة والفاسدة. نعم هناك شرائط اعتبرها الشارع في صحّتها كما اعتبر نظير ذلك في المعاملات.
ثمّ إنّ الخلاف في أنّ المعاني المقرّرة من الشرع الّتي استعمل فيها تلك الألفاظ هل هي خصوص الصحيحة ، أو هي أعمّ منها ومن الفاسدة؟ فيصحّ النزاع فيها من القائلين بثبوت الحقيقة الشرعيّة ونفاتها ، إذ لا كلام في استعمال تلك الألفاظ في المعاني الجديدة كما عرفت، وإنّما الكلام هناك في كونه على وجه الحقيقة أو لا كما مرّ.
فإن قلت : على هذا يكون النزاع بناء على القول بنفي الحقيقة الشرعيّة في المعنى المستعمل فيه في كلام الشارع وليس ذلك قابلا للخلاف ، لوضوح استعمالها في كلّ من الصحيحة والفاسدة كصلاة الحائض وصوم الوصال وصيام العيدين ونحوها.
وبالجملة : أنّ صحّة استعمالها في كلّ من المعنيين ووقوعه ولو على القول المذكور ليس ممّا يقبل التشكيك ليقع محلّا للكلام ، وإنّما القابل لوقوع النزاع فيه بناء على ثبوت الحقيقة الشرعيّة هو تعيين ما وضع اللفظ له ، سواء كان على سبيل